في السبعينيات، كنّا نرتدي قمصانًا حمراء بياقات عريضة، ونحافظ على طول الشعر والسوالف. ولنزيد من إعطاء هيئة المثقف، نشعل السيجارة من الأخرى، فكذا ينسجم الشكل مع مضمون هتافات الاشتراكية والأفكار الماركسية اللينينية، وبذلك نكون قد سرنا مع تيار موضة العصر الفكرية. كل من لم يفعل ذلك، أو على الأقل لم ينادِ بتبنى الأفكار اليسارية "التقدمية"، كان يعتبر رجعيًا متخلفًا!

اليوم، يتجول عنصري متطرف من مدينة سويدية إلى أخرى، وتحديدًا في المناطق التي يكثر فيها المسلمون، كي يبث سموم الكراهية ضدهم، ويهين رموزهم ومقدساتهم. إنه راسموس بالودان، الحقوقي الذي يحمل جنسية مزدوجة دنماركية – سويدية، فهو من أم دنماركية وأب سويدي. أعلن عن تأسيس حزبه "النهج المتشدد " في 2017 خلال تظاهرة قامت بها جميعة "أوقفوا أسلمة الدنمارك".

خاض حزبه الناشئ الانتخابات البرلمانية في الدانمارك في عام 2019، جمع 63091 صوتًا، بنسبة 1,8 في المئة، قريبة من حاجز الدخول إلى البرلمان الدانماركي وهي 2 في المئة، على الرغم من افتقاد الحزب لأي برنامج سياسي سوى العداء للاسلام والمهاجرين الآتين من خارج القارة الأوروبية.

ينوي بالودان الترشح للانتخابات البرلمانية السويدية في سبتمبر المقبل، وهو يتصرف وفق خطة مرسومة، ومسيرة حرقه المصاحف مستمرة حتىى تاريخ كتابة هذا المقالة، بل أنه زاد من وتيرة تحركه، فيزور أكثر من حي أو مدينة في اليوم الواحد، ليخلق أكبر بلبلة ممكنة تزيد في المحصلة من شعبيته.

هذه وسيلته ليحقق غاياته السياسية ويحقق نجاحًا مؤكدًا، وهو يعمل بحرص على توريط جهاز الشرطة كسلطة تنفيذية معه من خلال طلبه الرخصة اللازمة تحت بند حرية التعبير وتؤمن له القوة اللازمة لحمايته، فتتحول الشرطة بذلك في عيون الجالية المسلمة إلى طرف متواطئ، ويترسخ مفهوم "نحن وهم" كطرفي صراع، وبذلك يوجه غضب المحتجين من المسلمين إلى قوات الشرطة وبالعكس، فيكسب تعاطف السويديين وكأنه يقول: انظروا، فهؤلاء المهاجرون المسلمون متمردون ومتطرفون لا يفقهون إلا لغة العنف.

لا تكمن خطورة الأمر في تصرف شخص عنصري واحد أو في سلوك حزب عنصري صغير، إنما تكمن في العوامل المشجعة التي دفعت شخص مهذا للقيام بهذه الحملة العدائية ضد المسلمين في أوروبا، وفي حصوله من السلطات السويدية على التصاريح اللازمة، على الرغم من أسباب وجيهة كثيرة وثغرات قانونية عديدة لرفض طلبه. فهو لم يحصل على التصاريح في الدانمارك لأن ما يفعله هو خلق الكراهية ضد أتباع دين الاسلام، كما يثير الشغب ويعمل على تقويض الأمن والتعايش السلمي وحرية ممارسة الشعائر الدينية على اختلافها والمثبتة قانونًا في دستور البلاد، من خلال اصرار أعمى على استفزاز المشاعر الدينية بالسب والقدح وحرق المصاحف.

لماذا يقوم هذا الشخص المتطرف بهذا كله؟ بالودان يعرف أن ظاهرة العداء للمهاجرين باتت موضة شائعة، والشماعة التي يريد الكثيرين تعليق كل الاخفاقات الاقتصادية وسياسات الاندماج وازدياد نسبة الجريمة عليها، وهي البيئة الخصبة التي تساعده على النمو، والساحة التي توفر له كسب الدعاية لحملته الانتخابية بأسرع وقت وأرخص ثمن. فكلما زاد الخطاب المعادي للمهاجرين حدة وتطرفًا، ارتفعت نسبة المؤيدين.

الأمر لا يتوقف عند المواطن العادي، بل يتعدى ذلك إلى الأحزاب السياسية، وحتى العريقة منها، فليس بخاف على أحد اليوم أن الأحزاب الاشتراكية انتهجت الوسطية، فيما مالت الأحزاب الوسطية أكثر نحو اليمين. وباتت الأحزاب البورجوازية تنحو ناحية أقصى اليمين، ويحاول بعضها المزاودة على بالودان الذي لا يملك إلا خطاب الكراهية من خلال حرق أحد أهم مقدسات المسلمين واهانة رموزهم.

ليست الخشية من بالودان نفسه، إنما من سرعة تقبل الأفكار العنصرية المسمومة والتعاطف معها، والخشية من تدني ثقافة قبول الآخر: إما أن تكون مثلنا أو تكون متطرفاً أو مشروع إرهابي، إلى درجة أن يتهافت قادة الأحزاب السياسية لركوب موجة العداء للمهاجرين لكسب المزيد من الأصوات.

ها هي زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي تعبر عن خيبة أملها لأن الشرطة لم تطلق النار على المتظاهرين المحتجين، على الرغم من أن معظمهم كانوا أطفالًا ويافعين. قالت: "لماذا لا نرى 100 إسلامي مصابًا، و100 مثير للشغب مصابًا؟ لماذا لاتطلق قوات الشرطة عليهم الرصاص؟". أما زعيم حزب ديمقراطي السويد اليميني المتطرف، ثالث أكبر حزب في البلاد، فيطالب بتطبيق العقوبة الجماعية على الأسر وينادي بترحيل العائلة كلها اذا ارتكب أحد افرادها جرمًا، ويطالب بهدم الأحياء التي تضم الغالبيات المهاجرة.

كل الخشية أن تتحول العنصرية إلى موضة، ومن لا يتبع "الموضة العنصرية" يكون رجعيًا متخلفًا، سقى الله أيام السبعينيات.