من منطلق أن ميدان السياسية العالمية سوق مفتوح بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بافتتاح "البازار" من خلال اعلانه الاعتراض على طلب كل من السويد و فنلندة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الناتو، و جدير بالذكر بأن تركيا تنطلق من موقف قوي بوصفها واحدة من أهم و أقدم أعضاء الحلف و صاحبة ثاني أقوى جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة. مقابل ذلك هناك ضعف كل من السويد وفنلندة في هذا التوقيت بالذات وذلك نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا الأمر الذي ساهم في هرولة كلا الدولتين بتقديم طلب العضوية في الحلف المذكور وما يزيد الموقف حساسية هو تحذيرات الخارجية الروسية وتهديداتها بالعواقب التي قد تحل بالدولتين في حال طلب الانضمام للحلف ولأن الاحتماء بمظلة الناتو من الجار القوي خلال فترة البث في طلب العضوية غير مضمون فان ذلك يجعل من اسراع البث في الطلب امراً في غاية الأهمية بالنسبة للبلدين.

السويد من جهتها كانت قد أجرت تحليلاً شاملاً حول مسألة انضمامها للحلف من مختلف الجوانب من ضمنها امكانية ترحيب الدول الأعضاء الثلاثون من قبولها المبدأي والخطورات الأمنية في الفترة الواقعة ما بين تاريخ تقديم طلب الانضمام وحتى مرحلة قبول العضوية الكاملة دون توقع مسار سلبي. لذلك جاء موقف تركيا المعارض مفاجأً، ما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن غاية تركيا هي الحصول على بعض التنازلات ليس إلا وذلك لأنها لم تصرح عن أية أراء سلبية قبل تقديم الطلب رسمياً من البلدين وكأنها أرادت وضع السويد تحت الأمر الواقع للحصول منها على بعض التنازلات!

المصالح السياسية أثبتت دائماً وعلى مدى العصور أولويتها وانتصارها في المحصلة على كل شيء آخر في الخلافات والصراعات الدولية. وما يجعل من مسألة التفاوض أمراً دسماً من وجهة النظر التركية هو أن الدول التسعة والعشرون أعضاء الحلف بما فيهم الولايات المتحدة يؤيدون قبول السويد وفنلندة بل ويريدون التعجيل لانضمام الدولتين وذلك للتضييق على روسيا من جهة الشمال مع بحر البلطيق، الأمر الذي يشجع حكومة أردوغان على التمسك بالفيتو التركي لممارسة المزيد من الضغط وبالتالي دفع كل من أوروبا وأمريكا لمراضاتها والقبول بمبدأ أردوغان التفاوضي والذي يأتي على غرار مقولتنا السورية: "حكلَي لحكلَك".

قائمة ما تريده تركيا من السويد طويلة من بينها قطع اتصالاتها مع قوات حماية الشعب الكردية في سورية التي تعتبرها أنقرة منظمة ارهابية وامتداداً لحزب العمال الكردستاني، تسليمها سياسيين يتمتعون بحق اللجوء في السويد، رفع الحظر عن بيع الأسلحة لتركيا الخ، هذا ما تصرح به على أية حال حكومة أردوغان تجاه السويد. أما من أمريكا وحسب "صحيفة سفينسكاداغبلادت" الصباحية السويدية فان أربعة أمريكيين من المختصين في العلوم السياسية وخبراء في العلاقات التركية الأمريكية استبعدوا فكرة أن يكون وراء اعتراض تركيا رغبتها في التمكن من شراء العديد من الطائرات الحربية الأمريكية لكي تظهر شدتها تجاه حزب العمال الكردستاني بل هناك دوافع أخرى أهمها مرارة الرفض الأوروبي المتكرر لانضمام تركيا إلى نادي الاتحاد الاوروبي وعندما جرت المناقشة عن الاسراع في قبول عضوية أوكرانيا في الاتحاد الاوروبي طالبت تركيا على لسان مساعد وزير خارجيتها المعاملة بالمثل.

علينا ألا ننسى بأن السويد من بين الدول المعارضة على قبول عضوية تركيا في الاتحاد نظراً لعدم استيفاء تركيا شروط القبول مثل غياب الديمقراطية، سوء معاملة الأقليات وتطبيق الأحكام التعسفية بحق سجناء الرأي وغيرها من الأسباب التي تجعلها غير مؤهلة لعضوية النادي الأوروبي.

ربما في المحصلة يكون الثمن هو تأثير أمريكا على السويد وغيرها من البلدان المعارضة لفكرة قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي بدل من تركها تقترب أكثر فأكثر من روسيا فأردوغان اليوم في ممارساته وسياساته الداخلية والخارجية هو عملياً أقرب منه إلى بوتين عن الاتحاد الأوروبي أو الناتو ولا يتوانى في تحدي أمريكا وعقد صفقات أسلحة مع روسية وبالتالي فهو عالق في منتصف الطريق بنصف ولاء لروسيا والنصف الآخر للناتو وأن مسألة الحريات وغياب الديمقراطية يمكن وضعها على الرف الآن على أية حال، لعل وعسى أن تتعلم تركيا من دول الاتحاد في داخلها فذلك أفضل من بقاءها خارجاً.