تابعت الكثير مما كتب في الصحافة العربية والأجنبية عن السياسة الخارجية الإماراتية بعد تولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ حفظه الله ـ الحكم، خلفاً للراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حيث تباينت الآراء حول التغييرات المحتمل حدوثها على صعيد هذه السياسة. ولفت إنتباهي أن بعض التوقعات الخاصة بحدوث تحولات في هذه السياسة ينطلق من تغيير دفة القيادة كمحرك يوجه التوقعات والتخمينات، من دون النظر إلى ظروف البيئة الدولية والإقليمية فضلاً عن السمات التي تميز دولة الإمارات عن غيرها من الدول.
في البداية يجب الإقرار بحدوث تحولات جوهرية عميقة في العلاقات الدولية خلال السنوات الأخيرة، وأن هذه التحولات تترك آثاراً على السياسات الخارجية للدول، حيث يفترض أن تتغير هذه السياسة بما يتناسب مع المصالح الإستراتيجية للدول والشعوب، انطلاقاً من أن الثابت الوحيد في الحياة (وبالأخص السياسة) هو التغيير، كما قال الفليلسوف الاغريقي هرقليطس قبل 500 عاماً من الميلاد، وبالتالي علينا ـ كمتخصصين على الأقل ـ ألا نستغرب حدوث تحولات في نهج السياسة الخارجية للدول، لاسيما دولة فتية طموحة كالإمارات، التي تمتلك أهداف تنموية تنافسية يتطلب تحققها رؤية ديناميكية مرنة للعلاقات الدولية، وشبكة علاقات دولية لا تستثني أي طرف يمكن أن يكون التعاون معه رافداً يدعم فرص تحقيق هذه الأهداف.
بطبيعة الحال، الإمارات لاتمضي وفق نهج نفعي براجماتي جديد في العلاقات الدولية، ولا تعيد إختراع العجلة كما يُقال، ولكنها تمضي في مسارات متوقعة لمن يجيد قراءة محركات السياسة الخارجية الإماراتية، وهي محركات تنموية بالأساس، فالإمارات التي طوت منذ أشهر قلائل مضت صفحة الخمسينية الأولى من عمر إتحادها، تتحرك في إطار رؤية إستراتيجية واضحة للمستقبل، وهي تلك الرؤية التي تضمنتها وثيقة الخمسين، التي تتضمن عشرة مبادىء ترسم في مجملها خطوات الإمارات المستقبلية، وتعد بمنزلة خارطة طريق يمكن أن تفسر الكثير من تحركات السياسة الخارجية للدولة، التي أعلنت في تلك الوثيقة أنها تركز "بشكل كامل" خلال السنوات المقبلة على "بناء الإقتصاد الأفضل والأنشط في العالم" وأن "التنمية الإقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى"، وأن "السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا وعلى رأسها المصالح الإقتصادية لدولة الإمارات، هدف السياسة هو خدمة الإقتصاد وهدف الإقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الإمارات"، مايعني ببساطة شديدة أن الهدف هو التنمية والتنافسية العالمية.
المغزى فيما سبق أن السياسة الخارجية للإمارات كانت وستظل تمضي وراء أهداف مرسومة بدقة، وليست وليدة الصدفة، لاسيما إذا أضفنا إلى ماسبق التغيرات التي تطرأ بوتيرة متسارعة على المشهد الدولي، الذي يموج بالتغيرات والتحولات في موازين القوى وتوازنات العلاقات بين المتنافسين الإستراتيجيين على الساحة الدولية، ما يستوجب ضرورة الإمساك بزمام المبادرة والإمساك بزمام الأمور والتعاطي مع الأزمات وتداعياتها والتوترات ومالآتها والتفكير الإستباقي في كل هذه المعطيات بما يحقق مصالح الإمارات ويضمن لها خطوات إستباقية في ملفات متحركة.
المؤكد في ذلك أن المحرك الأساسي للسياسة الخارجية الإماراتية هو تهيئة الأجواء والفرص لإستمرار عملية التنمية التي بدأتها الإمارات منذ تأسيسها، والحيلولة دون السقوط في أجواء الإستقطاب والإحباط والصراعات والأزمات التي تعانيها معظم مناطق الشرق الأوسط ودوله، وبالتالي فإن الإستمرار في بناء الشراكات الدولية المتوازنة مع كافة الدول والقوى الإقليمية والدولية سيتواصل، وتتواصل معه إستراتيجية بناء الجسور مع الجميع إقليميًا، فالإمارات باتت لاعب إستراتيجي إقليمي ومحور يمكن أن يسهم بقوة في بناء واقع جيوسياسي جديد قائم على الأمن والإستقرار والسلام والتعايش بين الجميع في منطقتنا.
الإمارات تتحرك بوتيرة متسارعة، تستمدها من خصالها وواقعها، يعززها ثقة عالية بالذات وإحترام وتقدير الجميع للدولة وقيادتها الرشيدة، من أجل إقتحام المشاكل والأزمات كافة، من أجل تجنب أي تأثيرات سلبية محتملة كل مانراه من أزمات وتوترات إقليمية ودولية.
التعليقات