افتتاح معرض للكتاب سيظل مكسبا ثقافيا، رغم كل العراقيل والتحديات التي يمكن أن تتخلل مسار انطلاقه، وهناك الكثير مما ينعش الأمل ومما ينتظر ان يحدث إيجابيا في المعارض الكبرى: الكتب في كل مكان، وشغف القراءات المكثفة سيعود، وفئات مختلفة من القراء الجدد، سيناقشون الكتب على هامش اللقاءات مع المؤلفين، وقد يظن المرء أن الأمور فعلا ستسير كالمعتاد، بعد انتهاء الحفل الثقافي التكريمي، لقيمة الكتاب والإرتقاء بمكانته، وكأن الأمور ستأخذ مجراها الصحيح، وتنتعش أنشطة دور النشر، وحركية قطاع المكتبات بعدها، لكن ربما، علينا أن ننزع الغشاوة عن أعيننا و نقول أن مظاهر اللقاءات أحيانا خداعة.

لأنه، ولمرة أخرى ومنذ محنة الوباء، تمر صناعة وتوزيع الكتاب بأزمة فعلية. ولن نعلل ذلك لأسباب تجارية، كما في الماضي القريب، من أجل استصغارها، كما يطرأ في الخطابات السياسية الإشهارية اللطيفة، التي تحاول در الرماد في العيون.

فلقد خسر مجال تسويق الكتاب زبنائه على مدى فترة عصيبة. ويقال، حتى الآن، لم يكن ذلك ناسفا من الناحية الاقتصادية، لأن الجهات الحكومية قدمت الدعم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والزبناء الأوفياء المتبقين، اشتروا المزيد وعوضوا الباقي، رغم ان قيمة أسعار الكتب لم تعد ثابتة، بل أصبحت أغلى قليلا من السابق.

ومع ذلك فهناك تراجع مسجل، وصار مقلقا، لأنه هذه المرة يتعلق بالجوهر، ويتعلق بما يجعل مسار توزيع وتسويق الكتاب، في عمومه معرض، كل سنة، لخطر وجودي حقيقي.

وها نحن نسمع ونقرأ، هنا وهناك، عن إجماع نسبي في الآراء، حول الأسباب الفعلية، التي تجعل الناس يقرؤون الكتب، بشكل أقل من السابق، حتى في البلدان الغربية.

من ناحية، بسبب هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، واستحواذ رنات الهاتف المحمول على انتباه ونشاط العقول، والتي تهدر بها مزيدا من الوقت، بشكل أسهل، عند حضور الخمول والضجر، عوض رفقة رواية أدبية أو دراسة سياسية، حتى لو كانت كتابا إلكترونيا لا يكلف الكثير.

إن التحول إلى الرقمنة، الذي لطالما كان مصدر خوف كبير وسببا للارتياب، بدأ يسيطر على الصناعة ويطوقها، لكنها في هذه الحالة لم تتراجع بشكل يتيح للكتاب الورقي البروز، أكثر مما كان متوقعا.

فهل معارض الكتب قد فقدت الكثير من أهميتها، حتى جعلت من المستحيل، إستبقاء الناشرين على العهد، وإرغامهم على أولوية النشر المطبعي. فالملاحظ، ان مبيعات متاجر الويب زادت، كما هو الحال مع جميع منصات الإنترنت التجارية، مثل Amazon.الذي لا يصرح به علانية، ان الناشرون، يبيعون كتبهم رقميا، منذ فترة طويلة بشكل مستقل، عن تاريخ افتتاح أي معرض للكتاب ودون اعتبار لطبعه ورقيا.

ثم من ناحية أخرى، هناك خدمات بث عديدة، مثل منصة Netflix تنتج الكثير من الافلام والمسلسلات - وبعضها يبتلع المنتجات الأدبية المقروؤة ويقزمها مرئيا. فأي شخص يشاهد مثل هذه الاعمال الضخمة المشحونة بالمؤثرات السمعية والبصرية، سيحتاج إلى وقت كثير، للتعود على فتح كتاب، وتذوق لذة القراءة، واختبار آفاقها. وبهذا ستزداد ندرة قيمة الوقت الحقيقي الثمين النشيط ذهنيا ومعرفيا، في متاهات دروب العالم الرقمي الأخطبوطي متعدد المهام.