لا ندفن رؤسنا في الرمال أمام ما تعانيه شعبنا وفقراء إقليم كوردستان :
أزاحت مداخلات الإعلاميين والصحفيين خلال لقائهم مع رئيس حكومة إقليم كوردستان او بالاحرى حكومة اربيل مسرور بارزاني يوم الاثنين المصادف 20 حزيران 2022 ، الستار عن الوجه الآخر لمشاكل الإقليم المستعصية ، خاصة انها جاءت حادة وواضحة ولا تحتمل إلا معنًى واحداً (إقليم كوردستان ليس بخير), حيث يكاد يجمع شعب الإقليم باختلاف وتوجهاتهم ومشاربهم على أن الإقليم يسير بسرعة فائقة نحو الهاوية بلا خطة عامة، ولا مشروع وطني شامل، فالحزبين المتنفذين ( الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني ) منذ عام 1992 ولحد هذه اللحظة ونتيجة أدائهما ومصالحهما الحزبية الضيقة ، أفقد الإقليم هويته السياسية والثقافية والاقتصادية ، لدرجة أنه لا يوجد مسؤول ( حزبي او حكومي ) في الإقليم يستطيع الإجابة عن هذا السؤال الجوهري: ما هو مستقبل الإقليم وإلى اين يتجه ؟

ان الصراع والتجاذب بين إدارة اربيل والسليمانية ، جعل المشهد العام في الإقليم قاتماً، ووصل حدّ الاتهام بانعدام قدرة التعاطي مع مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية و خدمية وإدارية، وغياب مفاهيم الديمقراطية الحقيقية والعدالة . ورغم تقادُم تجربة الإقليم ، إلا انه يعاني اليوم اكثر من اي وقت مضى من مشاكل حقيقية منها ، انعدام الخدمات الرئيسية (الكهرباء والماء والوقود ) و مشاكل التربية والتعليم والصحة وارتفاع نسبة البطالة وهجرة الشباب نحو المجهول ، وصولاً إلى أزمات اخرى مثل تأخر صرف رواتب الموظفين ومصاعب المعيشة وغلاء الأسعار وارتفاع مستوى الفقر وتفشي جرائم القتل والتفكك الاجتماعي بشكل عام و قمع الاراء والاصوات التي تطالب بابسط الحقوق .

إضافة إلى عدم التخلى عن قواعد المحاصصة والولاءات الحزبية على حساب معاييرالكفاءة في الاداء الحكومي ومصلحة الإقليم العليا . إضافة إلى تدخلات الدول الجوار العسكرية السافرة في اقليم كوردستان .

هذه هي الأسباب الرئيسية لتراجع الإقليم يوماً تلو أخر أمام تقدم الإقاليم في الدول الاخرى.

غياب الرؤية الاستراتيجية:
قال بارزاني مسرور خلال لقائه مع الصحفيين والإعلاميين وممثلي عدد من المؤسسات الإعلامية الكبيرة في إقليم كوردستان منها ، (مركز ميترو للحريات الصحفية )(1)، قال : ( ان حرية الإعلام في إقليم كوردستان أكبر بكثير من دول الجوار ، حيث لم يعتقل أي شخص بسبب العمل الصحفي والمعتقد والعمل السياسي ) (انتهى الاقتباس ).

أما بشأن الأوضاع المعيشية للمواطنين ، قال بارزاني : ( ان الأوضاع المعيشية في الإقليم ليست سيئة بدليل وجود مليونين سيارة في الإقليم ، وهذه نسبة كبيرة مقارنة بعدد السكان في الإقليم الذي يبلغ اكثر من 6 ملايين نسمة )(2 )(انتهى الاقتباس ) .

وهنا اود ان اعلق على ما تفضل به مسرور بارزاني بصدق واقول له : اسمح لي ان اناقشك فقط في ماطرحته حول (حرية الإعلام في إقليم كوردستان و عن حقيقة وجود مليونيين سيارة في الإقليم ) .

اولاً , اعرف جيداً وتعرف انت ايضاً ان الوضع بشكل عام وحرية الإعلام في الإقليم بشكل خاص متأزم جداً وعليه لن تستطيع إخفاءه بابتسامتك المصطنعة وهي في الحقيقة ( اعتراف ضمني بوجود القمع الامني المتواصل والممنهج ) ضد كل من ينتقد السلطة في اربيل او السليمانية او دهوك او حلبجة او في اي منطقة اخرى . وحتى لا اطيل عليكم ولمعرفة الحقائق الموثوقة اقدم هنا وثيقة صادرة من مركز مترو لحرية الصحافة والتي تثبت عدم صحة ما تفضل به رئيس الحكومة حول حرية الإعلام في إقليم كوردستان .

( قيّم مركز ميترو المعني بشؤون الصحافة بمناسبة الذكرى الـ124 لصدور أول صحيفة كوردية، وقد طبعت في القاهرة عام 1898 بقلم رائدها “مدحت بدرخان”، باسم صحيفة كوردستان. قيّم المركز واقع الإعلام الكوردي في إقليم كوردستان العراق، معتبراً اعتقال الصحفيين المستمر أشد أشكال الانتهاك التي حصلت بحق العاملين في إقليم كوردستان .وقالت آفان جاف منسقة المركز- مكتب أربيل، إنه سُجل في العام 2021، 353 انتهاكاً بحق 260 صحفياً ومؤسسةٍ صحفية ٍفي إقليم كوردستان.ومن ضمن سجل الانتهاكات، تم اعتقال 25 صحفياً بدون مذكرة قضائية إضافة إلى محاكمة أربعة صحفيين ).

أضافة إلى اعتقال اصحاب سيارات الأجرة في محافظة السليمانية يوم الاثنين المصادف 30 / 5 / 2022 لمطالبتهم بتحديد سعر لترالبنزين ب ( 500 ) دينار للتر الواحد ، بعد ان وصل سعر لتر بنزين العادي إلى 1200 دينار . وبدل ان تقوم الجهات المعنية في السليمانية بتلبية مطالب سائقي سيارات الاجرة وتنفيذ وعودهم السابقة لهم , قامت قوات الامن الداخلي ( الاسايش) باعتقال عدد من المحتجين السلميين من اصحاب سيارات الاجرة ونقلهم إلى مقر الامن .

مقارنة غيرموفّقة :

يقول مسرور بارزاني ، (ان حرية الإعلام في إقليم كوردستان أكبر بكثير من دول الجوار) !. كنت اتمنى حقاً ان لا يقارن البارزاني حرية الصحافة في الإقليم مع دول استبدادية فاشية قمعية ترتكب يومياً مجازروانتهاكات فضيعة بحق شعبها والشعوب الاخرى . وعليه اقول ، لم تكن موفقا بالمرة يا سيد بارزاني في مقارنتك هذه !

وهنا اتسأل ، ماهي وجه المقارنة بين إقليم تدعون انه إقليم اديمقراطي ودول متهمة بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق شعبها وشعوب المنطقة ؟

ثانياً ، اما بخصوص عدد السيارات الموجودة في الإقليم اقول لبارزاني مسرور : هل يمكن القول بان وجود مليونيين سيارة في الإقليم هو مؤشر إزدهار المستوى المعيشي للأسر الكوردية , في حين تشير إحصائيات المديرية العامة للمرور في إقليم كوردستان إلى وجود 1896593 سيارة مسجلة منها : 1091466 خصوصي ، 96787 أجرة ، 421267 حمل , 38396 أليات زراعية ، 27035 أليات صناعية , 146052 سيارات ذات لوحات مؤقتة، 29952 سيارات حكومية ، 18638 درجات نارية .

ثم الا تعرف يا رئيس الحكومة بان ارتفاع عدد السيارات( الخاصة ) ليس بسبب زيادة دخل المواطن بشكل متنوع بفضل التنمية الوطنية ، وأنما بسبب وجود أعداد النازحين العرب من محافظات ( شمال وغرب العراق )الذين توافدواعلى الإقليم منذ عام 2005 والذي يقدر عددهم باكثر من مليون نسمة ،بعدما تصاعدت اعمال العنف الطائفي واصدار قانون اجتثاث البعث في العراق ولاسباب امنية وسياسية استقروا في مدن الإقليم وصاروا بالتقادم مندمجين ضمن النسيج الاجتماعي الكوردستاني ، وان هؤلاء وبمرور الزمن اصبحوا اصحاب شركات استراد السيارات والمتاجر والمطاعم والفنادق والمختبرات الصحية والورش والسيارات والخ .

ان مؤشر إزدهار المستوى المعيشي للأسر الكوردستانية لا يقارن بعدد السيارات وإنما بجودة الحياة وأحوال المعيشة ـ Living Conditions ـ حسب المؤشرات العالمية و شروط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ـ OECD) أي بتوفير كافة الاحتياجات ، والإمكانات المادية للفرد أو الأسرة ، كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والعمل والامن ، وكذلك الحاجات غير المادية ( الاجتماعية ) ، كالتعليم والعلاج ( التامين او الضمان الصحي الذي يعتبر من مظاهر الحضارة والرفاه المجتمعات البشرية ) والنقل والبيئة النظيفة الخالية من التلوث . ولاشك أن هذه الحاجات ليست استاتيكية ( جامدة ) ، وإنما هي ذات طبيعة ديناميكيَّة ومتطورة من خلال ارتباطها بتطور المجتمع وتقدمه .

ثالثاً واخيراً ، وفق أخر دراسة أجرتها منظمات دولية مع البنك الدولي ، وبالتعاون مع وزارة التخطيط عام 2020 كشفت الدراسة الميدانية بان هناك (مليون نسمة) يعيشون تحت خط الفقر حالياً في كوردستان .

فعن اي ازدهار والتقدم تتحدث يا رئيس حكومة الإقليم ، الا تعرف بان ديون الإقليم ارتفعت من 28 مليار دولار إلى اكثر من 31 مليار دولار؟( حسب تصريح آمانج رحيم سكرتير مجلس الوزراء خلال رده على استفسارت اعضاء برلمان كوردستان، والذي قال نصاً : ان الديون المترتبة على ذمة حكومة إقليم كوردستان ارتفعت ووصلت إلى 31 مليار و637 مليون دولار)!

اخيراً.. يبدو لمن لا يعرف الاوضاع على حقيقتها في الإقليم ، ان كل شيء هادئ وطبيعي جداً ، وان المواطن يعيش حياة طبيعية ، هكذا تبدو اللامور من السطح ، ولكن ما ان نغور في الأعماق حتى نجد واقعاً أخر , فمعاناة المواطنين كبيرة جداً وهي تتعمق يوماً بعد أخر ، بحيث اصبح المواطن المغلوب على أمره في وادٍ والمسؤول في وادٍ آخر, وكل يعزف على طريقته الخاصة ، ولكن يبقى عزف السلطة ، عزفاً نشاز , وما عاد ابناء الإقليم لديهم أذان قادرة على سماعه .

لايختلف أحد بان الإقليم الأن فقد الكثير جداً من مما كان يتمتع به سابقاً ، من نفوذ ومال وثقل وتعاطف دولي . للاسف يقول لنا الواقع ان الإقليم هو إقليم النخبة السياسية المتنفذة والحاكمة وليس إقليم الشعب .

اختتم المقال بمثل شعبي يقول : من يُخفي علّته تقتله علّته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين، تأسس في آب 2009 بجهود مجموعة من الصحفيين و المدافعيين عن حقوق الانسان، و بالتعاون مع معهد صحافة الحرب والسلام (IWPR) ، بهدف مراقبة حرية الصحافة والصحفيين والدفاع عنهم وحمايتهم في إقليم كوردستان . يدافع المركز عن حقوق الصحفيين وحرية عملهم المهني وحقهم في الوصول والحصول على المعلومة، وتقديم الدعم القانوني لهم، وبالتنسيق مع منظمات شريكة ويراقب تنفيذ التشريعات القانونية ذات الصلة بحقوق الصحفيين وحرية الرأي.ويصدر المركز تقريره السنوي، الذي يتضمن الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيين طيلة العام الماضي، ويتم ذلك من خلال مؤتمر صحفي تحضره شخصيات سياسية وثقافية واعلامية وناشطين مدنيين، كما يقوم المركز بأعداد بعض الدراسات بمساعدة بعض المختصين، والتي تتعلق ببعض جوانب العمل الصحفي.

2 ـ يبلغ عدد سكان إقليم كوردستان نحو 6 ملايين و171 الفاً و 83 نسمة حسب هيئة الإحصاء في وزارة التخطيط بحكومة إقليم كوردستان ، منهم 1,2 مليون موظف حكومي ويحتاج الإقليم إلى 895 مليار دينار ( 614 مليون دولار) شهرياً لتوزيع الرواتب ، أي نحو 10 تريليونات و 740 مليار دينار ( 7 مليارات و 368 مليون دولار ) سنوياً .