كان العراق عزيزا وموحدا وقويا ومهابا وسعيدا ويقوده أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة والسيرة الحسنة، فغضب الله عليه وجعله ينزل إلى أسفل سافلين، ويصبح بقرة حلوبا ولكن يمسك بمقودها أفشل أبنائه وأشدُّهم جهالة وغفلة وعبثا بأقرادها وأقدر أهلها، وأفسدهم وأكثرهم حماقة.

أحدهم مقتدى الذي أول ما عبث به في خطاباته وقصاقيص أوراقه وتغريداته المملة هي لغة القرآن الذي يحمل على رأسه عمامته السوداء التي لا تفرض على حاملها، أول ما تفرض، سوى تعلمها وعدم رفع المنصوب ونصب المرفوع وأكثر.

فهو السبب الأول والأكثر مسؤولية في حالة الفراغ والانسداد وعطل الحياة العراقية منذ انتهاء الانتخابات في العام الماضي.

فحين رفع شعار محاربة الفساد والتبعية، وطالب باستقلالية القرار الوطني العراقي، ضحكت الملايين من العراقيين، ومنهم كثيرون من تياره نفسه، لعدة أسباب،

أولها أنه أول من أنشأ مليشيا بأموال إيران وسلاحها وتدريبها، وأول من ارتكب جريمة قتل سياسية حين أمر أتباعه بذبح مجيد الخوئي أوائل أيام الغزو الأمريكي للعراق إرضاءً لإيران.

وثانيها أن مربط خيوله كلها في طهران وتحت أقدام الولي الفقيه علي خامنئي الذي اعتاد، في كل مرة يضيق عليه الحال في العراق، يهرول ليطلب البركة والحماية والعناية من سيده ومولاه.

وثالثها أنه، منذ 2005 فـ 2010، فـ 2018، وحتى اليوم، لم يكن جزءا صغيرا في منظومة الفساد والفشل والتبعية، بل كان صانع رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء ووزراء ونواب وسفراء ومدراء وقادة جيوش، أغلبهم كان ذوي التبعية الإيرانية المعلنة التي يباهون بها دون خوف ولا حياء.

وله وزارات ومؤسسات ومنافذ حدودية ومكاتب اقتصادية مقفلة لا يحق لأحد شركائه دخولها أو المساس بأموالها موظفيها وخدماتها، ومنها وزارات حساسة ذوات مساس يومي بحاجات المواطنين كالكهرباء.

من أواخر صرعاته الانفعالية النرجسية المزاجية المتسرعة المتقلبة تغريدة هاجم فيها رئيس الجمهورية برهم صالح بسبب ما قيل عن رفضه التوقيع على قانون تجريم التطبيع الذي صادق عليه البرلمان في الشهر الماضي، دون أن يتحرى أو يدقق في الواقعة بالطرق الاعتيادية المتبعة في شؤون الدولة، وخاصة في دوائرها العليا التي لا يصح العبث بهيبتها بأي حال من الأحوال. فالقانون المذكور، بغض النظر عن أهدافه الإيرانية المبيتة، أمرَ البرلمان في نصه الرسمي بأن يكون نافذا من تاريخ إقراره من قبل النواب، دون احترام لمكانة رئاسة الجمهورية التي أهانها النواب واعتبروا القانون نافذا بدون توقيع الرئيس عليه.

وما فعله الرئيس برهم صالح كان عين العقل، ففيه الكثير من احترام هيبة الرئاسة، حين أمر بنشر ذلك القانون في الجريدة الرسمية، واعتباره نافذا، كما ورد من البرلمان.

ثم هل من صفات من يدعي الزعامة الوطنية والدينية والشعبية أن يطلق الواحد، أيا كان، على أيٍ كان، تهما من أي نوع قبل التأكد والتفهم ومزيد من التدقيق والتمحيص؟.

فقد حكم مقتدى على رئيس جمهوريته بالعمالة للشرق والغرب، واتهمه بالتطبيع مع إسرائيل قائلا، "يكون من المعيب على الشعب أن يكون رئيسهم تطبيعيا وغير وطني بل تبعي للغرب أو الشرق، وإني أبرأ من جريمته هذه أمام الله وأمام الشعب العراقي.. وأسف لترشيحه لمنصب الرئاسة سابقا ولاحقا".

وهنا نسأل مقتدى، هل يعلم من هو المطبع الحقيقي الذي تحالف معه ودافع عن مرشحه لرئاسة الجمهورية؟

فقد كشف رئيس شعبة الموساد في كردستان وإيران ولبنان سابقاً، إليعازر تسفير، خلال حوار تلفزيوني مع قناة RT العربية الروسية، كثيرا من التفاصيل السرية في ملف الإتصالات الإسرائيلية بأقليم كردستان.

وأكد في كتابه (أنا كردي) أن "علاقة جهاز الموساد الإسرائيلي بدأت بطلب من الزعيم الكردي الملا مصطفي بارزاني، وكان ذلك في العام 1965".

كما تحدث كاتب سياسي إسرائيلي، ليس عراقيا ولا عربيا، بل هو المحلل (إيهود يعري) المعروف بعلاقاته الوثيقة بمراكز صنع القرار في إسرائيل، علنا، وعلى شاشة القناة 12 الإسرائيلية، فأوضح أن إسرائيل نادمة على ما استثمرته، لعقود من الزمن، وبشكل متناوب، في البرنامج الكردي لتحقيق الاستقلال.

وعدّد أهم أنواع ذلك الاستثمار فقال إنها كانت "مساعدات عسكرية، وفود استشارية، طواقم طبية، مساعدات دبلوماسية، مشتريات نفطية سرية".

وقال "الواقع أنهم يقومون، بأنفسهم، بإضاعة الفرص التي تسنح لهم "، "فهم مشغولون، ومنذ فترة طويلة، بتصفية حسابات داخلية، ويُفضِل قادتُهم مقاطعة بعضهم بعضا، وتبادل الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي".

وهنا نسأل، هل إن مقتدى لم يطلع على هذا التاريخ؟، ثم، هل إنه وضع يده في يد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البرزاني، بعد أعلن توبته عن العلاقة بإسرائيل؟.

ثم ما معنى الصواريخ الإيرانية ومسيرات مليشياتها على أربيل؟

وحين صوت نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني، مع نواب التيار الصدري على قانون التجريم ألم يتساءل عن الحقيقة؟.

إن ما يعرفه العراقيون، حق المعرفة، هو أن هذا القانون ورقة سياسية إيرانية خالصة أرادت إيران أن ترد بها على الاغتيالات والهجمات بالصواريخ والمسيرات الإسرائيلية على مواقع حساسة داخل إيران ذاتها، وعلى معسكرات الحرس الثوري وحزب الله اللبناني والمليشيات العراقية في سوريا ولبنان.

ثم ألم يعلم مقتدى بأن الأحزاب التي صوتت بالإجماع على قانون تجريم التطبيع تمكنت من وراثة نظام صدام حسين برضا القادة العسكريين والمدنيين الأمريكيين المأمورين من واشنطن بتسليم السلطة لأحزاب إيران، ومنهم ضباط أمريكيون كبار يهود؟

قال مقتدى الصدر"عموما نحن مع من يؤيد القيام بتغيير الحكومة شلع قلع، وتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، ومحاكمة كل الفاسدين منذ بداية الاحتلال وليومنا هذا، وبلا استثناء اطلاقا".
هذا كلام جميل لا غبار عليه. ولكن هل يعتقد مقتدى بأنه لا يعرف من يأتي بالحكومة، ومن يوافق أو لا يوافق على هذا الوزير وذلك المدير؟