لاتَنخدِعوا بعلامات التعجب والإستغراب التي تبدو على ملامِحِهم عندما تُخبروهم بأنهم أصبحوا اليوم يَتندّر عليهم بقصص فاقتْ ليالي هارون الرشيد وغانياته وكؤوسه التي يلعنون تاريخه، لا تأخذكم بِهم العاطفة والشفقة في أن السلطة الحالية قد إقتطعتْ من مغانمهم أو أَنقصتْ من ثرواتهم ومصالحهم.
لاتُحزِنَكم دموع التماسيح التي يفتعلونها للإنقضاض على هذه السلطة التي أعطتهم كل شيء... صحيح أن الحكومات السابقة في العراق قدّمتْ الكثير من السخاء والبذخ للأحزاب... وصحيح كذلك أن السلطة الحالية لا تختلف عن سابقاتها بشيء سوى أن السابقون كانوا يضعون أحزابهم التي انتجتهم ووضعتهم في رأس السلطة بأولويات المغانم، بحيث جعلتْ كل حزب بما لديهم فرحون، لكن السلطة الحالية إستطاعت وبجدارة تستحق عليها شهادات تقديرية من الأحزاب المُشاركة في السلطة تقديراً لتوزيعها المغانم والثروات بالإنصاف والتساوي فيما بينها، عندما إختلقوا حكومة يُفترض أنها (مستقلة) بعد أحداث ثورة تشرين لإرضاء الشارع العراقي الغاضب آنذاك لإقناعه بأنها فترة إنتقالية لحين إجراء إنتخابات مُبكرة تُرضي الجميع في خُدعة سياسية بدأوها بلعبة تخفيض الدينار العراقي مقابل الدولار قبل الإنتخابات بأشهر لتمتلئ خزائن الأحزاب والزعامات بالأموال التي جعلت من دعاياتهم الإنتخابية مجانية مدفوع ثمنها سَلفاً من قبل قوت الشعب، أي (من لحم ثورك أُطعمُك)، أرأيتم كيف أن الشيطان يستفيد من خبراتهم في إستغفال العقول وشيطنة قراراتهم وإستدراجها إلى حيث يُريدون ويرغبون وتلك هي لعبة الإنتخابات المبكرة التي أراد الشعب أن يُحدث فيها ذلك التغيير المنشود حين إنقلبوا عليه.
في كل يوم يزداد هؤلاء قوةً وإيغالاً في السلطة والنفوذ حتى صار من المؤكد لدى الشعب أن الإحتجاجات والإنتفاضة التي لا تقضي على الفساد وسلطته فإنها تقويه وعجبي على ذلك.
لم تؤثر تظاهرات تشرين في تغيير نهجهم بل زادتهم مَنعَةً وقوة، لم تَهُزهم صور عشرات الشهداء ومئات الجرحى والمعوقين، بل إزدادوا وقاحةً وإزدراءاً للشعب بحيث إستطاعوا أن يُغيّروا جلودهم وألوانهم موجهين البوصلة بالإتجاه الذي رَغِبوا في تحقيق رغباتهم المشوهة وأفكارهم المعوقة لقيادة بلد مثل العراق بحجة أن الشعب يُريد التغيير، فلا مناص من القول أن المواطن كلما إستفاق على حدث وجده وقد إنقلب لصالح السلطة فلم يعد الإستنكار ينفع، ولم تعد دماء الشهداء تروي عطشهم الدافق لمزيد من السلطة والنفوذ، بحيث أصبحت أيام الإنتخابات أعراساً يتبادلون فيها التهاني والتبريكات فيما بينهم أو في احسن الأحوال لعبة روليت يتجالسون فيما بينهم وكلٌ يُمنّي الآخر في الخسارة.
في السابق كان العراقي يمتلك بعض التشاؤل في نظرته إلى واقعه المعيشي (التشاؤل هي النقطة الفارقة بين التفاؤل والتشاؤم) إلا أنه أصبح اليوم يتمنّى أن يغمض عينيه في نوم عميق وسُبات أعمق مُتأملاً أن يستيقظ يوماً وقد أصبحت أيامه مُنقادة إلى أحد الأمرين.
هؤلاء لا يجدون من يُذكّرهم أن الأرض خسفها الله بقارون بكلمة "كُن فيكون" لتكون عِبرة لمن إعتبر...فهل يُدركون ذلك؟.
التعليقات