واقع الحياة المعاشة اليوم على الأرض السورية نتج عنه الكثير من الصور المفجعة مع تزايد عدد الشهداء والمفقودين التي انتزعت من قلوبنا الكثير، وجبلتها بالحزن والعويل وفي مختلف الجبهات، ما يعني أنه يُنبئ عن تزايد الأحزان التي حوّلت سورية الجميلة المبهجة إلى مزيد من الذكريات والأحلام، وعبّرت عنها المرحلة الحالية، وجسّدتها بروح الفريق الواحد، والتي بتنا نعيش أحجياتها يومياً مع معترك جديد وخطر داهم وحوار مسدود، غير قادر على أن يحقّق أي احتقان يمكن معه أن يحد من وطأة المعاناة التي حوّلت سورية، بقراها ومدنها، وجلَّ شعبها الطيّب البسيط إلى ركام من الرماد، لما يَحدث اليوم، على الرغم ما من شأنه أن يَحل ما يحدث على الأرض، وإن ظلّت الحلول هامشية ومقزّمة، ومهما كانت صغيرةً، إلا أنّه صار من الصعوبة بمكان إيجاد الحلول المناسبة القادرة على حلحلت كل ما من شأنه أن يجد الصيغة التي من شأنها وقف لهيب الحرب الدائرة اليوم على مختلف الأرض السورية، وعلى كافة الجبهات التي بتنا نسمع وفي كل لحظة، عن وقوع ضحايا هنا وقتل ودمار وفقدان وتصفية الشباب والرجال والأطفال والنساء، ومع ازدياد عدد الأرامل، ناهيك بالمشكلات الأخرى التي ألّبت الكثير من الأوجاع، ومن الصعوبة أن تُمحى من ذاكرة الثور السورية وأهلها. ومن أهم المعضلات التي صارت تشكل مأساة حقيقية، ارتفاع أسعار بعض الأدوية الرئيسة، وفقدانها من السوق المحلية، وإن وجدت، فإنّ أسعارها مرتفعة جداً وغير قادرة أن تلبي الحاجة، والمواطن ليس بمقدوره تأمينها بعد أن كانت متوافرة وبالمجان، في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية، وفي الصيدليات، وبأسعار رمزية، ما اضطر المواطن، مكرهٌ أخوك لا بطل، اللجوء إلى اقتراض قيمة الدواء من الأقارب والأصدقاء، أو الامتثال للمرض وانتظار رحمة الله، ومنهم من دفع الغالي والنفيس من أجل تأمينه من الدول المجاورة وبصعوبة بالغة!.

الأسئلة التي تراود مخيلة محتاجو الأدوية كثيرة، ويعجزون عن إيجاد المنفذ الذي يمكن معه تأمينها، على الرغم من حاجتهم الملحّة لها. وفي هذا الاتجاه يمكن أن نقول: بأن المريض، بالتأكيد بحاجة للدواء، والحاجة اضطرته إلى أن يدفع بكل ما لديه للحصول عليه، وهو بالكاد قادر على أن يسد الرمق، فكيف بإمكانه أن يوفّر المبالغ التي يمكن أن تلبي حاجته لشراء الدواء والعثور عليه! فضلاً، وهذا الأهم جشع الكثير من الأطباء، المريضين مادياً، في صور بغيضة ومخجلة، في رفع أسعار الكشف الطبي للمرضى كيفما شاؤوا، وحتى في معالجتهم لأبسط الحالات التي يعانون منها. ومنها ما استوقفني وأثار فيّ الكثير من الغرابة، وهو أن أحد الأطباء الأخصائيين، ومن أبناء ريف الرَّقة، سبق وأن راجعه أحد المرضى متألماً في صباحات أحد الأيام؛ في بيته وطلب من المريض قبل معالجته بدفع مبلغ أربعة آلاف ليرة سورية لقاء وخزه أبرة "ديكلون". الغريب أنّ الطبيب له أسمه وسمعته، ناهيك عن أن المريض تربطه صلة قرابة بالطبيب من الدرجة الاولى! !

المشكلة في رأيي ليست في طلب الطبيب المادي والسعي إلى كسب المال بصورة أو أخرى في طلبه، وإنما في الموقف الإنساني المخجل الذي دفع به، وبكل وقاحة، والتجرد من أخلاقه إلى تجاوز هذا اللغز المحير، في البحث عن المادة والركض خلفها قبل الكشف على المريض ومعالجته!. هل تجرد الناس من أخلاقهم؟ وهل بهذه الصورة العفنة صارت هذه الفئة من المجتمع تبحث عن المال، وبهذا الأسلوب الماسخ. هكذا وصلت أخلاق أكثر الأطباء في سوريا وللأسف. ما هو الحل؟

ومن بين المعاناة التي تلازم المواطن في سوريا اﻻنقطاع المتكرر والغياب شبه التام للمياه والكهرباء. وفي اتصال لي مع صديق مقيم في مدينة اللاذقية أكد أن فترة توصيل التيار خلال الـ 24 ساعة لا تتعدى الساعة الواحدة، أي كل خمس ساعات قطع للتيار يتم توصيلها فترة ربع ساعة فقط في المنطقة المؤيدة للنظام!

وكذلك الغاز المنزلي، وغيرها، من أبسط مقوّمات الحياة التي افتقدها المواطن، وهذا لا يعني أنها كانت متوافرة، قبل اندلاع الثورة، وتوافرها كان في مناطق وأحياء مهمّة يقطنها المسؤولين، أما الشوارع التي يقيم فيها عامّة الناس، فهي محرومة من أبسط الخدمات الضرورية، وتحوّل حال أهلها إلى مأتم يومي، ولكن هيهات أن تتوافر، وتوافرها هذا يعني أنها تحتاج إلى إمكانات كبيرة، وكبيرة جداً!.

ولا يمكن، أن نفوّت على بعض الاحتياجات والمطالب التي صارت لا غنى عنها في يومنا هذا، وتواجدها يلحّ، وبصورة يومية.

يظل الواقع مؤلماً ومحيّراً بكل ما فيه، وإلى درجة بات معه الموقف مبهماً، وكل ما يرمي إلى واقع الثورة، واندلاع شرارتها وجذوتها، وغياب جنودها المجهولين، ورحيل شهدائها الميامين الأبطال، الذين روّوا بدمائهم الطاهرة الأرض السورية، وساحاتها ومدنها وقراها، والتي لا تزال تستقبل يومياً العشرات، بل المئات منهم. وتظل معاناة السوريين قائمة لا تسرّ الخاطر!