يقول المثل "أعطيني إعلاماً أغير لك أمة كاملة" وهذا المثل ينطبق على كافة وأغلب الصحافة في الوطن العربي، فمنذ بداية القرن العشرين والصحافة العربية تتطور وهذا التطور يقابله تغيير في الاتجاهات والآراء لدى الناس، فمثلاً تطور الصحافة في مصر منذ أكثر من 100 سنة ولّد اتجاهات إيجابية للالتفاف الشعبي في العصر الملكي حول الملك فاروق ومن ثم زاد في العهد الناصري، مروراً بالسادات حتى يومنا الحاضر، وما تقوم به الصحافة الآن في توجيه الناس لمسار الالتفاف حول موضوعات معينة هي تريدها وتُسلط الضوء عليه، حتى وإن كان الشعب لا يريدها.

وكذلك لا ننسى أيضاً حادثة إطلاق جيش الاحتلال النار على الطفل الفلسطيني محمد الدرة ومقتله بين يدي والده وسط قطاع غزة في بداية الألفية الحالية، في بث مباشرٍ على الهواء، فلو لم يتم تصويره وتوزيعه على الصحافة العربية لكان كغيره من أطفال فلسطين الذين يُقتلون يومياً على يد الاحتلال، ولكن الصورة التي وُزعت على وسائل الإعلام العربية أشعلت انتفاضة فلسطينية وصل صداها إلى أبعد نقطة في العالم، وما تلاها من دعمٍ حقيقي من دول الخليج خصوصاً والمنطقة العربية عموماً تجاه أشقائهم في فلسطين.

من هنا يتبين لنا أنّ الصحافة العربية غالباً ما يتم التحكم بها من جهة العاطفة لا من جهة العقل، فعندما تتكرر أخبار مواضيع الفسادوالمحسوبية والجرائم التي تمس أسس المجتمع، وتتكرر بشكل دائم على مدار الساعة وإظهارها على أن هذه الأمور هي أمور إيجابية وتصب في صالح البلاد، من هنا يتم تخدير المواطن وعقله وتصبح مع الزمن شيء عادي، بل ومن الثقافة المجتمعية بعد أن كانت من المُسلَّمات المحرّمة في المجتمع، وهذا ما تعانيه المجتمعات العربية اليوم من تغيير جذري لبعض الثقافات "الفاسدة" على أنها من الإسلام (زوراً وبهتاناً) ومن رقي الشعوب وتقدمهم.

أخيراً، يتبين من هذا المنبر صدق مقولة وزير الدعاية في عهد هتلر، جوزيف غوبلز عندما قال "أعطني إعلامًا بدون ضمير، أُعطيك شعبًا دون وعي"، فعندما يكون الشعب غير واعٍ ومثقف، أنت بذلك تكون قد امتلكته من تلابيبه! ومن المستبعد انتفاضه ضدك، وعلى العكس تماماً، قامت بعض الصحافة خلال العقد الأخير من توجيه بعض الشعوب للانتفاض ضد بعض الأطراف دون وعي، والآن هذه الشعوب تعاني وتقول يا ليتنا لم نسمع الصحافة.