الإرجاف ليس حدثًا جديدًا فمنذ مئات السنين والمجتمعات البشرية تعاني من هذه الآفة الخطيرة والمدمرة، وقد جاء في كتاب الله -عز وجل- تحذير ووعيد للمرجفين ۞ لَئِنْ لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَض وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا۞ سورة الأحزاب 60.

والإرجاف هو بث ونشر الأخبار الكاذبة أو المثبِّطة والمحبطة؛ بغرض إحداث الفتن، وزعزعة الثقة والأمنِ في أوساط المجتمعات، وفي عصرنا الحالي كَثُرَ المرجفون وتنوعت أدواتهم وأساليبهم في النشر وبل وَبَاتَ هناك من يستخدمهم لزعزعة الأمن الوطني للدول، وَأَضْحَتْ تطبيقات التواصل الاجتماعي من أَعْتَى الوسائل التي يستخدمها المرجفون.

بشكل يومي يستخدم الإنسان المعاصر هاتفه الذكي ويتصفح تطبيقات التواصل الاجتماعي، بهدف أو دون هدف، يتلقى كل منا آلاف الإشعارات والتنبيهات والرسائل، منها ما هو مهم ومنها ما هو غير مهم، وللأسف أن كثيرًا منا يستقبل المعلومات والأخبار دون وعي وتثبت، وَيُبَادِرُ بتصديقها ونشرها دون التحقق من صحتها ومصدرها، وتتنوع الرسائل فمنها النصوص المكتوبة أو الصور أو مقاطع الفيديو كذلك التسجيلات الصوتية، وهذا التنوع يستغله المرجفون لتبديل وجوههم في كل مرة ليسهل تصديقهم ويصعب كشفهم.

وَيَتَعَمَّدُ الأعداء الكارهون لهذا الوطن الغالي بث ونشر الكثير من الأكاذيب ويتفننون في ذلك، وتغييب الحقائق هو منهجهم وَدَيْدَنُهُمْ في النشر، مستهدفين بذلك عامة الناس من البسطاء، وفي الحقيقة أن كل واحد منا قد يكون مارس أو مورس عليه الإرجاف بشكل أو بآخر، بقصد أو دون قصد، ولكن تختلف وتتفاوت درجات تأثيره.

والإرجاف الرقمي هو شكل من أشكال الإرجاف يمكن تعريفه بأنه «بث ونشر وتداول محتوى يتضمن معلومات أو أخبار كاذبة أو مثبطة أو مُبَالَغًا في تضخيمها عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي أو منصات الإعلام الجديد الصحف الرقمية والمواقع والمدونات ».

والإرجاف الرقمي نوعان: الأول يكون عملًا منظمًا تقف خلفه منظمات وأجهزة استخبارات معادية تبث محتواها بشكل منظم بالتزامن مع بعض المواسم أو المناسبات وتستغل أي ثغرة موجودة أو أي محتوى قابل للفبركة والتزييف وهذا إرجاف مقصود.

والنوع الثاني: إرجاف غير مقصود وهو أن يَسْتَقبِلَ شخص ما، خبرًا أو محتوى من أي نوع، ولقلة معرفته وعلمه وصعوبة إدراكه، يغلب عليه ظن السوء ويبالغ في ردة الفعل، ويبدأ بالقلق وينشر القلق في محيطه، غير مكترث بعواقب ما يفعل، وهنا يجب تفعيل الوعي، فالمعركة الآن ليست معركة سيوفٍ وخناجر ولا بنادق ودبابات بل معركة وعي.

الوعي يبدأ من المنزل، فالأسرة مسؤولةٌ عن توعية أبنائها وتفنيد الادعاءات الباطلة التي يتلقاها النشء من كل صوب، كذلك الرفاق يجب أن يكون الحديث بينهم مثمرًا وهادفًا وإن لم يجدوا ما يتحدثوا فيه فلينصرف كلٌّ منهم، فكثرة اللقاءات والاجتماعات دون جديد تتيح مساحة للإرجاف، صحيح أن الإرجاف لافت في بعض الأحيان ويجذب للحديث والخوض فيه، فلإنسان مجبول على حب ما هو غريب ومريب، ولكن من الأفضل أن يستغل الإنسان وقته فيما يحفز معنوياته ويرفع من عزيمته ويزيد من إنتاجيته ويجعله مثمرًا معطاءًا، احذر! أن تكون معول هدم في مجتمعك، فما أسهل الخوض في الإرجاف، فضغطه زر لم تبال بها قد تؤدي لكوارث لا تحمد عقباها.

يهدد الإرجاف الرقمي الأمن النفسي والسلم الاجتماعي ويثير البؤس والقلق في نفوس الأفراد، بل ويضعف العزيمة ويُثَبِط النَشِطَ و يرفع من شأن الساقط والمتردي، فهو كارثة بكل المقاييس ولذلك سخرت الأجهزة الحكومية في المملكة العربية السعودية جهودها في مكافحته عبر نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ومركز الرصد النيابي له الدور الكبير في تحييد خطره، كما تقوم رئاسة أمن الدولة بجهود عظيمة في مكافحة الإرجاف الرقمي بالإضافة لمركز إعتدال، ويبقى حجر الزاوية الذي ننطلق منه لمكافحة الإرجاف الرقمي هو الوعي والتحصين الفكري والإنشغال بما ينفع ويفيد.

والإرجاف مرادف للتفاهة، فتزييف الحقائق والمبالغة في ردة الفعل، هو ضربٌ من ضروب التفاهة والحماقة، ونظير شؤم وشر، ولا يكاد يخلوا أي مجتمع من هؤلاء المرجفين، ولكن بالوعي نَحِدُّ من خطرهم ونمضي قدمًا لنحقق تطلعاتنا الطموحة.