ما يزال البعض يخلط بين الحرية والفوضى.
وكذلك هناك من يخلط بين القيم من جهة والعادات والتقاليد من جهة أخرى بل ويساوي بينها.
وأغلب من يسيء الفهم للمعنى الأسمى للحرية وللقيم، هم الذين تسكن فيهم روح العبيد.

الحرية: التزام وانضباط ذاتي تنبع من ذات الإنسان الحر، وليست انفلاتاً وتعدياً على حرية الآخرين كما يعتقدها العبيد أو تمرداً على القيم العظيمة.
الحرية: انضباط أخلاقي والتزام قيمي.

أن يلتزم الإنسان بالقيم كمبدأ تعلمه وتربى عليه، وكثقافة متجذرة في عقله ووجدانه بدءاً من الأسرة ثم المدرسة فالمجتمع، وكانضباط أخلاقي تحت تأثير وإشراف ضمير تمت تربيته سلوكياً والاعتناء بتوجيهه أخلاقياً منذ الصغر بما يجعله عبر الالتزام بتلك القيم والانضباط معها يدرك أن إحترام الإنسان أياً يكون وفي أي مكان هو محور القيم.. وحريته جوهرها.

المنضبط أخلاقيا مثلاً وهو يقود سيارته في الشارع والذي يحترم القيم الانسانية المتعارف عليها عند كل الأديان والأعراق: هو إنسان حر.

أما ذلك الذي يتعدى على حرية الآخرين سواء في الشارع وهو يقود سيارته كأبسط أنواع الأمثلة، أو الموظف الذي يعرقل أمور الناس في العمل بسبب دوافع عدوانية، لا فرق بينهم وبين الذي يقسر الناس على اتباع منهجة ولا بين قاطع الطريق، وجميعهم ينتمون الى فصيلة الإنسان العبد بكل ما تحمله كلمة عبد من معنى، دون ربط معنى الكلمة بلون أو جنس أو تاريخ، لأن هناك فرق بين المستعبد الذي تعرض للاسترقاق بالقسر، وبين العبد الذي يتلذذ في الاسترقاق كحالة مرضية ماسوشية سواء كان الاسترقاق جسدياً ومعنوياً أو فكرياً أو ايديلوجياً أو خضوعاً لعادة أو تقليد سلبية تدفع العبد أن يرهن عقله عند من يفكر نيابة عنه دون أن يميز بين عادة تسلبه حريته وعادة تدفعه أن يستخدم عقله بتفرد.

أما القيم فهي ثابتة وتختلف عن العادات والتقاليد التي قد تكون فضيلة عند قوم ورذيلة عند قوم آخرين.
والقيم هي نفس القيم عند كل الشعوب والأمم والأديان والأعراق والفلسفات.
فقيم كالصدق، الأمانة، الكرم، الشجاعة، العدالة، الوفاء.. الخ. قيم انسانية عظيمة لا يختلف عليها اثنان عند كل الشعوب، والقيمة الاخلاقية: فضيلة بين رذيلتين مثلما عبر عنها افلاطون.

فمثلاً الشجاعة فضيلة بين رذيلتي التهور والجبن، ثم تصبح الرذيلة مع مرور الوقت عادة أو تقليد يمجدها أفراد مجتمع ما، بينما تبقى فضيلة الشجاعة ثابتة، فالجبان الذي لا يستطيع أن يعبر عن نفسه الخائفة يلجأ الى التهور في قيادته للسيارة وازعاج الناس في الشارع وربما ازهاق ارواحهم دون أن يدرك حجم خطر جبنه وتهوره، ويعتقد الجبناء أمثاله أنه شجاع فيقلدونه كتنفيس عن أنفس مأزومة وجبانة.

كذلك فضيلة الكرم تقع بين رذيلتي البخل والاسراف، وقد تتحول رذيلة الاسراف الى عادة وتقليد عند مجتمع ما وكأنها فضيلة بينما تظل فضيلة الكرم ثابتة لا تتغير.
ولا يمكن لفضيلة الصدق أن تكون ذات يوم محل اختلاف ونقاش عند أي مجتمع، بينما يظل الكذب رذيلة قبيحة ويعتبر الكذاب أجبن وأرذل أنواع البشر وتتفق كل الشعوب على سوء رذيلة الكذب، فكيف لو جمع الكذاب بين رذيلتي الجبن والكذب. وقد يصبح الكذب عند شخص ما أو أسرة أو جماعة عادة يدافعون عنها ويمارسونها ويبررون بها سوء أعمالهم، دون أن يدرك الكذاب انه يكشف جبنه وضعفه.

لذلك فالقيم الأخلاقية لا تختلف عند أمة عن أمة، وهي مقدسة ومحترمة، بينما تظل العادات والتقاليد محل فحص وتغيير ونقد واختلاف عند كل الشعوب.

القيم: ثابتة
والعادات والتقاليد: متغيرة
وهناك بعض العادات الأصيلة التي لا تتعارض مع القيم العظيمة.
وتظل الحرية: أم القيم العظيمة..
والإنسان الحر: حامي القيم الانسانية العظيمة المدافع عنها.

أما العبيد: فهم المنافحون في كل العصور عن الجهل والخرافة، المعادون للنور والتنوع، الذين يضعون عقولهم في جيب جاهل يشبههم واذا أمطرت السماء حرية وضعوا فوق رؤوسهم مظلات لتحميهم شر مطر الحرية، التي يعتبرها الحر التزاماً وانضباطاً ذاتيا، ويعتبرها العبد انفلاتاً وفوضى وتعدياً على حقوق الآخر كلما شعر بالتعبير عن ضعفه وأحقاده وجهله ومخاوفه وخرافاته!