إستيقظ العراقيون صباحاً على ماكنة السلطة الإعلامية وهي تُهلّل وتُكّبر لمشروع ظهر فجأة للعلن، يبدو أنه من السَرَديّات الجديدة للجذب الدعائي الجماهيري.

طريق التنمية الذي يُقال أنه يربط العراق مع أوروبا عن طريق تركيا عبر مد شبكة سكك حديدية وطرق وما يرافقها من بناء مجمعات تجارية وأسواق قد تساهم في توفير أكثر من ١٠٠ ألف فرصة عمل للشباب العراقي العاطل حسب الإدعاء.

في كل يوم نسمع حكاية طريق جديد حتى ضاعت علينا المسميات والمقاصد، فقد سبقه إلى التهليل والترويج طريق الحرير الذي طبّلوا ونادوا به كثيراً بل وإعتبروا كل مُعارض لمشروعهم هو عدوّهم اللدود.

طريق الحرير الذي أشعل إنتفاضات غاضبة ضد حكومة مصطفى الكاظمي السابقة حيث كان من شروطهم أن يرى النور أو المباشرة بوضع حجره الأساس مهما كانت النتائج حين وصل بهم الحال إلى محاولات إيصال رسائل لا تخلو من التحدي بالتظاهر أمام السفارة الأمريكية لإشعار أمريكا أنهم عازمون على تنفيذ هذا الطريق.

مشروع كانت بداياته ذهاب عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الأسبق إلى الصين وعودته والإعلان عن هذا المشروع وما رافقه من مباركة الذين ينكرون وجود هذا الطريق على أرض الواقع اليوم.

مرة أخرى يستيقظ العراقيون ليتفاجؤا أن طريق الحرير الذي كان شعاراً للمقاومين، أضحى إكذوبة مصطنعة نطقها صراحة وزير النقل رزاق محيبس التابع لهادي العامري رئيس منظمة بدر في الإطار التنسيقي عندما قال "إن طريق الحرير لا وجود له على أرض الواقع".

غرابة الحدث هو التناقض في السلوك والتهويل بكونه مشروع (صدّعوا رؤوس) العراقيين بشعاراته ليتضح أنه وهمي، كان التطبيل له مجرد دعاية إنتخابية أو للتسقيط السياسي للحكومة السابقة.

طريق التنمية الذي إستضافت مؤتمره بغداد بمشاركة عدد من دول الجوار وبكلفة تخمينية للمشروع تتجاوز 16 مليار دولار لا يُعرف من أين وكيف ستكون آلية تمويل المشروع بمبالغه المهولة.

يتناسى القائمون على الترويج لمثل هذا الطريق أن العراق يعاني من أزمات مرورية خانقة تزدحم بها شوارعه من إكتظاظ السيارات والعربات، حيث كان الأجدر بهم أن يبادروا إلى إنشاء طرق وجسور جديدة في مدنه أو حتى مترو بغداد الذي طال الإنتظار لوضع حجر الأساس للبدء به، بعد أن كان شعاراً تتغنّى به كل الحكومات السابقة حين كان العراقيون يسمعون جعجعة دون أن يروا طحين الإنجاز.

"طريق التنمية هو المكمل لطريق الحرير" هذا ما يحاولون اليوم إقناع جماهيرهم به، تُرى هل سيرى ذلك الطريق النور؟ من الصعب إعطاء الإجابة خصوصاً في بلد يغط بالفساد العميق وتتقاذفه الصراعات السياسية والحزبية والمصالح الفئوية.

مسميات وعناوين لمشاريع كثيرة نسمع بها دون أن نرى نتائجها على الأرض وكأننا نعيش في منتصف دائرة من الأوهام.

كان يمكن أن تنجح واحدة من تلك المحاولات لو كانت هناك إرادة حقيقية لإنتشال العراق من واقعه المنهار، لكنها محاولات يراها المواطن أنها شعارات وحكايات لا تعدو كونها فيسبوكية أو دعايات إنتخابية.

ما بين رافض ومؤيد أو حتى وهم أم حقيقة سيبقى طريق التنمية يُراوح في مكانه بالتنفيذ أو ربما مجرد حكاية من حكايات العراق الموهوم بالخلاص بتلك المشاريع، لكنهم يتغافلون إن خطوة الألف ميل تبدأ من الخطوة الأولى في مكافحة الفساد، فهل يستطيعون تجاوز تلك الخطوة؟