لا للمزايدة.. لا للوهم.. لا للعنصرية

في البداية اود ان أشكر قرائي الأكارم على تجاوبهم وتعليقاتهم على مقالي المنشور في صحيفة إيلاف اللندنية بعنوان (ضاع جاكوج البرلمان تحت اقدام الاخوة الاعداء). ومن باب تعزِيز التَوَاصل مع قُرَائي وردي علَى مُدَاخلتهم التي تؤدي إلى مزيِد مِن الإيضاح لفِكرَتي و وَجهِهِ نَظَرِي، مما يَزِيد المَوضوع المطروح عمقاً، خَصَصَت هذه المَقَالٌة لتَكون تَكمِلَة للمَقالة السَابِقَة، لأنني وبكل صَرَاحَة أَجَدَ نَفسِي أمام وَاجِب لا استطيع التَقاعس عنه وهوَ وَاجِب التَوْضِيح والرد على بَعْض مداخلات قرائي الأكارم واسئلتهم وتعليقاتهم.

لفت نظري واستوقفني أحد المعلقين وهو للاسف مجهول الاسم والهوية حيث شك بمصداقية المقال واتهمني (باليساري المتشدد ومن اصحاب الكهف) وكتب في تعليقه المليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية ما يلي:

(ما اسرع ما هرعت الى الكتابة عن الأمر يا سيد شمال! لم تستطع حتى ان تنتظر نصف يوم،لأنك انت وامثالك من اليساريين المتشديين، تريدون اي شيء للنيل من اقليم كردستان.. لا تتحملون اي شيء لا يتماشى مع ايديولوجيتكم القديمة.. ايديولوجية ان الكرد والعرب اخوة وان اخوتهم يعني ان لا يفترقوا في اي شيء وان لا تكون للكرد اي كيان خاص بهم حتى لا يزعل اخوتهم العرب منهم، وحتى يبقوا يلقبونهم ب"إخوانهم الأكراد" وتبقى عبارات "الأكراد طيبين كلش، ونحبهم" .. لا تخدع نفسك بقولك انك انما تنتقد...انتقاد سياسيي الإقليم ضروري جدا وانتقاد برلمان كردستان الكاريكاتوري اكثر ضرورة, ولكن الأعمال بالنيات، وواضح ان نيتك هو فقط اثبات افكار تبددت منذ زمن ولم يعد احد يؤمن بها غير مجموعة منكم من اصحاب الكهف. الذي تصفه ب"حلبة المصارعة" هذه اول مرة يحصل فيها هذا الأمر، في الوقت الذي تحصل فيه هذه المعارك بإستمرار في برلمانات الدول الأخرى مثل تركيا وحتى ايطاليا وبعض الدول الأوروبية....ولكن لا، عندما يحصل في برلمان الكرد لمرة واحدة يجب ان نصفها بحلبة مصارعة ! فكيف تتوفر لبعض الكرد فرصة تدمير ذاتي ولا يستغلونها ؟! هذه الأمور تحدث لأن الكرد جزء من العراق الذي تحصل فيه هذه المشادات دوما ولا تكتب عنها طبعا لأن الأمر لا يناسب افكارك، فأنت لا تغيير افكارك حسب الواقع بل تغيير الوقائع في افكارك لتناسبها ! والتغيير الديمغرافي الحاصل في كردستان، وطبعا انت وامثالك لا تريدون الاعتراف بالأمر، له اكبر تأثير سلبي على ثقافة وتفكير المواطن الكردي)
(انتهى الاقتباس)

وهنا اود ان اوضح للمعلق المجهول بعض النقاط التي لابد من الوقوف عليها وبعجالة:

1ـ يا المعلق المجهول، كن شجاعاً، واكتب باسمك الصريح، ولا تدع ضميرك يسخر منك! لا تنسى ولا تتناسى بان إقليم كوردستان هو اقليم مستقل تماماً عن العراق، إقليم معترف به عراقياً واقليمياً ودولياً، الا ان معاناة الشعب تزداد يوماً بعد يوم بسبب سياسة الاحزاب الأوليغارشية التي استولت على مقدرات الإقليم وحرمت المواطنين من حقوقهم وهم يواجهون الجوع وسوء الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمية في الوقت الذي تتنعم العوائل الحاكمة والمتسلطة على ثروات الشعب في الإقليم بالمليارات التي سرقتها من قوت الشعب.
2 ـ اهتم الحزب الشيوعي العراقي بالمسألة القومية وخاصة قائده الكفء الشهيد الخالد (يوسف سلمان يوسف ـ فهد) الذي اهتمّ اهتماماً كبيراً بالقضية الكوردية وبكون الكورد يشكلون القومية الثانية في العراق، وعلى هذا الاساس رفع الشيوعي العراقي منذ عام 1935 شعار حق تقرير المصير للشعب الكوردي، وثمة وثيقة منشورة في عام 1935 في جريدة (كفاح الشعب) لسان حال الحزب الشيوعي العراقي تتضمن الدعوة لإستقلال كوردستان!

ان التجارب الماضية (البعيدة والقريبة) اثبتت بان الشعب الكوردستاني لن ينال حقوقه القومية إلا في ظل الديمقراطية في العراق، فان مسألة الحقوق القومية للشعب الكوردي لا يمكن فصلها عن مسالة الديمقراطية في عموم العراق من جهة، والدول المجاورة منها (تركيا، ايران، سوريا) من جهة ثانية، وهذه لا تاتي حسب رغبة اي منا، بل هي مسألة دياليكتيكية وواقعية، اذ ان مسألة حقوق القوميات في الدول المتعددة القوميات، ترتبط بشكل عضوي بمسألة الديمقراطية في تلك الدول وهذا العامل بالذات هو الذي تسبب في فشل اتفاقية11 اذار 1970.

كما علينا ايضاً ان لا ننسى بان الحزب الشيوعي العراقي هو (اول حزب عراقي) رفع شعار إقامة الفيدرالية في كوردستان ضمن (عراق ديمقراطي فيدرالي موحد) وذلك في ايلول 1991 وفي اعقاب انتفاضة اذار المجيدة، وبعد اعلان منطقة كوردستان شمال خط العرض 36 منظقة ملاذ امن، من قبل مجلس الامن الدولي، حيث تدارست قيادة الشيوعي العراقي مستجدات القضية الكوردية بشكل علمي وواقعي ومنطقي، عند صياغة مشروعي برنامج الحزب ونظامه الداخلي، وقررت تبني شعار (تطوير الحكم الذاتي وصولاً إلى الفيدرالية والاتحاد الفيدرالي حيث يرتبطان بمبدأ حق تقرير المصير للأمم والشعوب وكحل علمي ومنطقي قابل للتطبيق). (راجع وثائق الشيوعي العراقي) .

فعن اي اصحاب الكهف وعن اي يسار متشدد تتحدث يا المعلق المجهول؟

3 ـ نعم انا انسان ماركسي وافتخر بذلك، ولكن لست متشدداً كما تدعي في تعليقك!، ولو تراجع ارشيف مقالاتي سوف ترى الحقيقة كما هي وليس كما تدعي زوراً وبهتاناً.

انا اقرأ الواقع قراءة دقيقة وعلمية وبدون مبالغة ولم اُصاب بفيروس الكسل الفكري وبالأتكالية ولا بأفة توزيع الاتهامات الباطلة وبتصفيق للقائد الاوحد ولا بسكتة الضمير!

كباحث سياسي اؤكد لك ومن خلالك إلى كل من يفكرمثلك، سوف يعود اليسار العراقي والعربي ايضاً بقوة خلال السنوات القادمة في العراق والدول العربية والإقليمية خصوصاً بعد فشل الاسلام السياسي والاحزاب القومية في ادارة بلدان منطقة الشرق الأوسط من جهة، وبعد تغول الرأسمالية و الليبرالية الحديثة (النيوليراليزم)، التي همها هو تحديد كل إنسان بحسب ما يملك بعد ان قضت على الطبقة الوسطى من جهة ثانية.

4 ـ ان الذين يريدون النيل من الإقليم هم (الاخوة الاعداء)، الذين يسرقون ثروات الإقليم و يجوعون الشعب بحجج واهية.
ان الذين دمروا الإقليم هم الذين تستروا على مجرمي الانفال والصداميين الكورد، وحولوا الإقليم إلى حديقة امامية للدول الإقليمية، وطبقوا سياسة التقشف والإصلاحات الاقتصادية القاصرة منذ عام 2014، وعملوا على تطبيق نظام الادخار الإجباري وتخفيض واستقطاع رواتب الموظفين والمتقاعدين، مما أدت تلك الإصلاحات القاصرة إلى زيادة أعداد الفقراء غير القادرين على تأمين حاجاتهم الأساسية.

5 ـ يا المعلق المجهول، كل السياسيين الكورد يقولون بان الكورد والعرب شركاء واخوة، واذكرك بما قال رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني عندما زار بغداد، قال بارزاني نصاً: "أننا نزور بغداد لأنها عاصمة العراق أي عاصمتنا، وانها اي بغداد هي العمق الاستراتيجي للإقليم، ووفقاً لقانون رئاسة الإقليم من واجبي أن أحاول دائماً تحسين العلاقات بين أربيل وبغداد وتعزيزها، سبق أن زرت بغداد وهذا أمر طبيعي، فنحن نعيش في إطار الدولة العراقية، ونأتي إلى بغداد باستمرار" ( انتهى الاقتباس)!

6 ـ ان الاشتباكات بالايدي في برلمان كوردستان ليست حالة جديدة، بل اصبحت ظاهرة، بعد ان تحول البرلمان إلى حلبة المصارعة وساحة للصراعات الحزبية المقيتة!

7 ـ التغيير الديموغرافي في زمن صدام حسين وحزبه الفاشي هي حقيقة ولا احد يستطيع انكارها، وللعلم، كتبتُ مقالات كثيرة عن ذلك وشخصت مكامن الخلل وقدمت البدائل ايضاً (راجع ارشيف مقالاتي) .

8 ـ طبعاً انت وامثالك لا تريدون الاعتراف بان السلطة في الإقليم هي سلطة اوليغارشية ومصدر بؤس و تعاسة المواطن الكوردستاني المغلوب على امره، وان هذه السلطة لها اكبر تأثير سلبي على ثقافة وتفكير المواطن الكوردستاني.

اخيراً اقول:
ان هدفي في الحياة يتعلّق بمجمل مصير الإنسان وسعادته الحقيقيّة اينما يكن، فالانسان هو الانسان لا يهمني دينه أو جنسه أو عقيدته أو قوميته أو لون بشرته الخ، لا يهمني المظاهر بقدر ما يهمني الجوهر الداخلي للانسان. اؤمن حد النخاع بمقولة الفيلسوف العظيم كارل ماركس (الانسان اثمن راس مال في الوجود).

فيا ايها المعلق المجهول اقول لك مخلصاً، لو تخلصت من كل انتماء ما عدا إحساسك بالإنسانية، سيساعدك ذلك على اتخاذ الموقف الصحيح واعطاء الرأي السديد بعيداً عن المزايدة والوهم والعنصرية والتعصب الحزبي المقيت.