من جديد تعود العلاقات المصرية_التركية إلى سابق عهدها، عقب فترة ليست بقصيرة من المقاطعة تخللتها بعض التوترات الحادة، وربما التغيرات الحالية والتي تشهدها المنطقة مثلت نقاط تحول مهمة على مسار عودة العلاقات، إلا أن مستجدات الأوضاع على الصعيدين المصري والتركي، أبرزت تمهيدا يعول عليه فى هذه العودة الدبلوماسية الواضحة.
مستجدات الاوضاع
ربما تتجه معظم التحليلات إلى الاستعانة فى هذا الأمر، بالدور المصري والذى اتضح على نحو بارز إبان المعاناة التركية على إثر الزلازال المدمر والذى عاصرته فبراير الماضي، فى حين أن تمهيدات العودة جاءت قبل هذا الموقف وبأعوام، أيضا على مستويات عدة بدأت من الخارجية المصرية ونظيرتها التركية، وحتى اللقاءات رفيعة المستوى بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي، واعتبر تصريح أردوغان تجاه مصر وقبل أكثر من عامين، إعلان صريح حول حتمية عودة العلاقات، حينما ذكر أهمية مصر بالنسبة لتركيا، بقوله "مصر ليست دولة عادية"، لتتوالى فيما بعد الزيارات المتبادلة بين البلدين، وهو ما أتقنته الخارجية المصرية ونظيرتها التركية، حيث تكررت زيارة شكري إلى أنقرة، وبالمقابل أوغلو إلى القاهرة، وفى كل زيارة يتم تأكيد انتواء جدية التعاون والتنسيق ارتقاء بالعلاقات، غير أن الطفرة الدبلوماسية الحقيقية بين البلدين، اكتملت بإتفاق الرئيسين السيسي وأردوغان على عودة العلاقات ومن ثم تبادل السفراء.
يعاصر أردوغان آخر فترات حكمه، وربما حجم المشروعية التركية والتي يتمتع بها، لن يتيح ترشحه مرة أخرى عقب عقدين، وهو ما يستغله جيدا فى تغيير بعض العقائد التركية تجاه عدة من دول المنطقة، وربما سيحرص على العودة إلى قناعات أنقرة التقليدية ومفادها انتهاج التوازنات والمواءمات، أيضا النظرية الإستراتيجية والمتعلقة بسياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار، سيما على صعيد العلاقات الدولية وما تقتضيه من سياسات الخارجية، مواكبةً للأوضاع الإقليمية والتغيرات الجيوسياسية الواقعة.
بالطبع! تأتى مصر فى مقدمة هذه الدول والتي تتطلع إليها تركيا من أجل تهدئة الموقف معها وبذل المساعي الحثيثة، وأبرزها كبح جماح الإعلام الإخوانى بأنقرة _أهم مسببات القطيعة مع القاهرة_، وهو ما سٌلط عليه الضوء، كونه جاء فى إطار الخطوات الجادة على طريق المصالحة بين الجانبين.
سياقات التهادن
تطلبت السياسات التركية حتمية التغيير، على إثر أزمات اعترت المشهد التركي مؤخرا، سيما الأوضاع الاقتصادية والتي تراجعت مؤشراتها على نحو يذكر، حيث يشهد الداخل التركي وضعا اقتصاديا مترديا فى ضوء أرقام سجلت انخفاضات ملحوظة، رصدتها كبريات الجهات المالية الدولية، فمن المقرر تزايد نسب التضخم متجاوزة 20% مع انخفاض الليرة واستمرارية عجزها، فى حين سجل العجز فى الحسابات المصرفية لتركيا ما تخطى الـ 20 مليار دولار، وعليه يلزم تركيا شراكات إستراتيجية عدة تكون قادرة معها على إنعاش اقتصادها، غير أن فشل الآليات القديمة والتي سعت تركيا من خلالها إلى تمرير الإستراتيجية التركية وتصديرها إلى المنطقة، أعاد التحرك التركي إلى المسار السليم ولو بنسية، عقب محاولات فاشلة من النظام التركي بفرض سيطرة واضحة على المنطقة إبان فترات الربيع العربي وما قبلها، عبر الأذرع الإخوانية ورواد الإسلام السياسي، وهو ما قوبل بالمواجهة المصرية العنيفة، ومن ثم نعاصر إقلاعا تركيا واضحا عن السياسات القديمة.
إلا أن الحلم التركي التقليدي والذي لا يزال يبحث كيفية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، يعاود نفس الحلم مراوغة أنقرة، بل ويتقدم أسباب التعقل التركي مؤخرا، بالرغم من الرفض الغربي البيًن، فمنذ سنوات وتصرح المفوضية الأوروبية علنا دوافع الرفض الأوروبي لأنقرة، والتي تمركزت حول المناخ الديمقراطي فى تركيا وسياسات الحزب الحكم، والأهم سياسات أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي، مع عدم اكتراثه بالإصلاحات المنتظرة من قبل الاتحاد.
وفى ظل سياقات إقليمية متغيرة ترتب عليها، عودة معظم العلاقات الإقليمية ما بين قطر ومصر أيضا الإمارات، بالإضافة إلى تطبيع طالما استبعد ما بين إيران والسعودية!، وعلى إثر الوساطة الصينية، تحاول تركيا اللحاق بهولاء هربا من النبذ الإقليمي، بالمقابل تدرك أنقرة أيضا خلفيات القاهرة وفاعليتها على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصا مع فشل الأساليب القديمة، تداركت تركيا ضرورة تحسين العلاقات.
مسارات مرتقبة
بعض النقاط الخلافية، مثلت كمرتكزات للقطيعة بين الجانبين المصري والتركي، منها ما تعلق بأمن الطاقة وتقسيمات الحدود بمنطقة شرق المتوسط، ومنها أيضا ما تعلق بالسلوك التركي بالمنطقة، خصوصا سياساتها فى سوريا وليبيا، وجميعها نقاط بالنسبة لمصر تعد أمنا قوميا، ولعل الإستراتيجيا المصرية تجاه تركيا كانت واضحة، حينما أعلنت وقبل سنوات أن عودة العلاقات مع أنقرة تظل مرهونة ببعض الأسس أهمها احترام الإرداة الشعبية المصرية، مع الالتزام بمبادئ العلاقات الدولية وقوامها احترام سيادة الدول وعلاقات الجوار.
وبناء عليه فإن الموقف يتطلب مسارات جديدة من قبل الجانب التركي ومراجعة قوية لقناعات تسببت فى إفساد علاقات لسنوات مع دول إستراتيجية فى المنطقة، والأهم أن تضع ضمن اعتباراتها الإتفاقيات والتي أجرتها مصر بمنطقة شرق المتوسط، والخاصة بإعلان ترسيم حدودها البحرية مع اليونان وعمليات تقسيم مناطقها الاقتصادية وما يتيح للقاهرة حرية الاستكشاف والتنقيب بالمنطقة، وربما الفرصة لا زالت سانحة أمام أنقرة للانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط والذى نظمته وتديره مصر، ويضم معها أبرز الدول منها، الأردن وقبرص ،اليونان وأيضا إيطاليا.
وإن كانت بعض الإرهاصات اتضحت من جانب أنقرة بخصوص تفهمها عمق الأزمة الليبيبة ووجوب التعاطي المرن معها، أيضا بما يحفظ كافة المصالح المتشعبة، إلا أن السلوك التركي فى ليبيا لا يزال يستوجب إعادة النظر، وربما لا يستقيم والعودة الجديدة للعلاقات، خصوصا أن وجهة النظر المصرية فى هذا الصدد أبرزت توجها مصريا خالصا مفاده التوازن ما بين الأمن القومي المصري ومصالح الشعب الليبي أيضا، وهو ما برز فى الدعم المصري للتحركات الليبية ولجنة 6+6 الخاصة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية الرئاسية وأيضا البرلمانية، ودعوتها أيضا للجهات الشرعية والمتفاعلة بضرورة تغليب ضرورات الاستقرار.
بيد أن الأفضل فى هذه المرحلة، يظل متعلقا بكيفية بحث قنوات للتواصل الاقتصادي الجاد ما بين القاهرة وأنقرة، ولعل استمرارية عمليات التبادل التجاري بين الجانبين والتي لم تنقطع حتى مع التوترات السياسية، تستدعي تسليط الضوء ومن ثم البناء عليها، حيث تجاوز حجم المبادلات بين البلدين 7 مليارات دولار.
#فضاءـالرأي[email protected]
التعليقات