ما الذي يخفيه تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط والذي بدأ بالتزامن مع اعلان اسرائيل حالة الحرب ضد حماس؟ هل بلغت اسرائيل الى مرحلة الخطر الوجودي الذي يستدعي تحريك أساطيل وطائرات أمريكا لحمايتها؟ وهل استدعت رسالة الردع الامريكية كل هذه التكلفة المالية واللوجستية أم ان أمريكا تخطط لحدث ما في المنطقة؟ هل تكون كل هذه التحركات العسكرية مجرد رسائل تحذيرية أم أن الأمر يتعدى ذلك؟

قدمت المواجهة الجديدة التي تخوضها اسرائيل ضد حركة حماس في قطاع غزة فرصة ممتازة لادارة بايدن لتحقيق مكاسب ستحسب لصالح معركة الرئاسة القادمة في 2024 ولا شك في أن شعار مواصلة الحرب ضد الارهاب والمتطرفين الذي سيرفعه بايدن بدعمه لاسرائيل سيغطي على اخفاقاته التي حصلت في أوكرانيا، وهو بحاجة لأن ينهي ولايته الأولى بنجاح مع حليفه الاستراتيجي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط يكون مادة دسمة تستعرض بها الادارة الأمريكية نجاحها الوحيد وسط العديد في حربها ضد "قوى الشر" وبعبارة أدق فان هذه الحرب يعول عليها أن تكون بوابة بايدن للعبور الى ولاية ثانية.

شهية الأمريكيين مفتوحة لخوض معركة جديدة في الشرق الأوسط وهي الحل الوحيد الذي بامكانه أن يقلب صفحة الحرب في أوكرانيا دون الحاجة لاعلان التخلي عنها، يكفي فقط أن تكون هنالك أولويات جديدة لتهبط أوكرانيا من سلم الأولويات الخارجية ويكفي أن ينجر حزب الله اللبناني الى ساحة المعركة الدائرة بين حماس واسرائيل لتعلن الولايات المتحدة الأمريكية بذلك بداية تحد جديد عنوانه "انقاذ الشرق الأوسط من ظلام الدواعش"، ولايستبعد أن تنخرط على جبهة القتال مع اسرائيل اذا اتخدت ايران قرار توسيع المواجهة عبر حزب الله في جنوب لبنان.

التهديدات الأمريكية لايران ليست وليدة حرب "طوفان الأقصى" وهي تسير وفق نسق تصاعدي بدأ منذ الهجوم على قاعدة أميركية في الحسكة السورية والذي تلاه رد أمريكي على منشئات للحرس الثوري الإيراني في دير الزور، ثم ازدادت حدة التوتر بعد أن استهدفت ايران المصالح الأمريكية و للسفن التجارية في مضيق هرمز وهو ما دفع بواشنطن بارسال المزيد من الطائرات المقاتلة والسفن الحربية إلى الخليج العربي، ثم جاءت المناورة المشتركة مع اسرائيل في يوليو الماضي والتي شملت تمرينا على إعادة التزود بالوقود في الجو يحاكي تحركا جويا على المسافات البعيدة وبعدها مناورات "إيغل بارتنر 2023" مع السعودية في أيار ومع أرمينيا في ايلول لتقدم بذلك الادارة الأمريكية سلسلة كاملة من التهديدات المباشرة لايران في أقل من عام.

وجود حاملتي طائرات "جيرالد فورد" و"ايزنهاور" في البحر الأبيض المتوسط بكل ما تحملانه من امكانيات عسكرية هائلة وبكل ما تعنيه من استعراض للقوة يعني أن الموقف الأمريكي يتعدى حدود التحذير بكثير وهو بلا شك استعداد جدي لاستعمال الضربة العسكرية والتعامل مع محاولات توسيع رقعة الحرب في في شمال اسرائيل بهجوم قوي ورادع على جنوب لبنان وهو ما أخلط أوراق حزب الله وقلص من حجم دوره المتوقع في مواجهة " طوفان الأقصى " ليقتصر الى غاية اليوم على مناوشات حدودية متقطعة مع اسرائيل.

تبدوا فرص ايران في توسيع نطاق المواجهة مع اسرائيل باشراك محور المقاومة في معركة "طوفان الأقصى" ضئيلة جدا بعد أن أفسد التحرك الأمريكي السريع الطبخة، تقديرا منها بأن اشراك حزب الله أو الحرس الثوري الايراني يعني وضعهما في مواجهة مباشرة مع أمريكا بدلا من اسرائيل و تعني هذه المجازفة تدمير كل ما بنته خلال سنوات في سوريا ولبنان وقد تحتاج لسنوات أطول ولامكانيات أضخم لاعادة تموضعها في المنطقة هذا ان وجدت الفراغ الذي يمكنها من تكرار ذلك، لذلك قد تكتفي بدور محدود لحزب الله وهو ما يجري بالفعل اليوم من خلال المناوشات الأخيرة مع اسرائيل يكون الهدف من كل هذا كبح ارتدادت الضغط الشعبي المتزايد على حزب الله وعلى صورة محور المقاومة الذي استهلك الكثير من اسلوب التهديد والوعيد ضد اسرائيل دون أن تكون له القدرة على فعل شيئ ملموس للقضية الفلسطينية ولما يجري في قطاع غزة.