حياة صعبة وأوضاع قاسية يعيشها شعب غزة يوميًا. ما بين الموت في أي لحظة بقذيفة إسرائيلية وضيق أفق الحياة داخل القطاع، تكمن المأساة.

لا يخفى على أحد أنَّ سكان غزة يعيشون صعوبات شديدة لتدبير شؤون حياتهم اليومية، فبعد توقف أصوات المدافع والطائرات الحربية خلال هدنة استمرت أسبوعاً، تجدد القتال بين "حماس" وإسرائيل، وتجددت معه العزلة وتعمقت جراح الفلسطينيين داخل القطاع، وهنا تبدأ رحلة نضال للأسر النازحة ضد الظروف المعيشية الصعبة، فالكل يحاول إعادة بناء الحياة في مخيمات الإيواء.. فهل تتركهم إسرائيل في حالهم؟!

واقعياً، يخوض الفلسطينيون معركة يوميَّة للحصول على بعض مستلزمات الحياة كالخبز والماء، واضطُر أغلبهم إلى النزوح إلى مدارس ومناطق إيواء تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" جنوب غزة من أجل البحث عن فرصة للصمود وحماية الأطفال من الموت بقذائف الاحتلال. تتجدد هذه المأساة يومياً أمام أعيننا جميعاً، فهل من منقذ؟!

داخل فصول دراسية تعيش الأسر والعائلات، وتتشارك المعاناة والحرمان مثلما تتعاون في توفير بعض الاحتياجات، وهي تفتقر في الحقيقة لأبسط مقومات الحياة اليومية، فالطعام والشراب والأغطية وغيرها تتوافر في حدودها الدنيا، وبشكل لا يلبي الحد الأدنى من المتطلبات.

مع بزوغ شمس كل يوم جديد، يضطر الرجال وأرباب الأسر النازحة إلى القيام برحلة للبحث عن الطعام حتى يستطيعوا سد رمق الأطفال والنساء، ويعطى الأطفال وكبار السن والمرضى والأشخاص الأكثر حاجة كجرحى الحرب أو ذوي الاحتياجات الخاصَّة الأولوية، وقد تضطرهم الظروف القاسية إلى جلب الخبر والأرز والقليل من العدس والفاصوليا ليتقاسمها الجميع حتى تستطيع كل عائلة أن تحصل على كل أنواع الطعام.

وتجسِّد الحياة في المخيمات صمود الأسر التي تعيش في عوز وتفتقر إلى المقومات الأولية للعيش، ليس لعدم امتلاك المال الكافي في بعض الأحيان، بل لغياب القدرة على توفير هذه السلع من السوق، إما لندرتها، أو لمقدار الجهد المطلوب بذله للعثور عليها. لكن الأسر تعيد واقعيًا بناء حياتها في مناطق جديدة شبه آمنة.

في الصور المتداولة عبر الإنترنت، نرى المدنيين الأبرياء يعدون وجبات "الأرز الساخنة" على نار الحطب أو "الكانون" العشوائي، بعد أن يحاول شباب المخيمات توفيرها بكميات محدودة لا تغطي كل مركز الإيواء، ثم توزع الوجبات بالدور، ليصل نصيب منها إلى كل عائلة حسب تقسيم يمتد أياماً، وفيه الأولوية للأطفال والمرضى وكبار السن.

إن ما سبق جريمة في حق الإنسانية، إذ كيف لا تتوافر لشعب بل لأطفال في عام 2023 المستلزمات الأساسية للحياة كالطعام والشراب؟ وهل يمكن لشعب غزة الصمود أمام الجوع والعطش والموت الوشيك في أي لحظة؟

المشقة الشديدة التي يتعرض لها أهل غزة تكمن في صعوبة الحصول على الماء أيضاً، وهي أحد أشكال النضال، حيث ينقل النازحون من سكان غزة عبوات ثقيلة من المياه في حاويات بلاستيكية عبر شوارع موحلة، ويبحثون وسط الأنقاض عن ملابس وبقايا تربطهم بمن فقدوه من أسرهم، لكنهم يواصلون نضالاتهم اليومية من أجل الحياة، فيعتمدون على سواعدهم أو الدراجات وعربات التسوق والعربات اليدوية أو حتى الكراسي المتحركة لجلب الطعام والمياه. كذلك، يعد الأطفال أكثر الفئات التي تعاني داخل القطاع، حيث وصل عدد الشهداء منهم إلى حوالى ستة آلاف طفل، ويفتقر الرضع للألبان الصناعية، وهذا بسبب تفاقم التضييق الإسرائيلي على الأراضي الزراعية.

إنَّ الموت الوشيك جراء القذائف الإسرائيلية وانقطاع الكهرباء والإنترنت وغياب أبسط وسائل الحياة من غذاء وماء هي ألوان كثيرة لمآسي الأهالي، وهذا يؤكد بالدليل القاطع أن صمود شعب غزة لم يأت من فراغ!