يُعرف يوم العاشر من كانون الأول/ ديسمبر باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وبهذا الصدد، نلقي نظرة سريعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

الوثيقة المعروفة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان
أطلقت إليانور روزفلت (زوجة فرانكلين روزفلت، الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة)، رئيسة مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في ذلك الوقت، والتي كانت مسؤولة عن إعداد وتجميع الوثيقة المعنية، اسم "الميثاق العظيم للإنسانية" عليها، بعد الموافقة عليها.

وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948، وبعد عدة أيام من المراجعة والتغييرات الطفيفة، تم طرح هذا الميثاق للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي وافقت عليه بأغلبية 48 صوتاً مؤيداً وامتناع 8 أعضاء عن التصويت وعدم وجود أصوات معارضة.

يحتوي هذا الإعلان على مقدمة و30 مادة ترجمت إلى 375 لغة ولهجة في العالم، تؤكد المادة الأولى من هذا الإعلان على مبدأ الكرامة الإنسانية وتعترف بها كجزء أصيل لا يتجزأ من حقوق كل إنسان (بغض النظر عن اللون، أو العرق، أو الجنسية، أو اللغة، أو الدين، أو الثقافة، وغيرها).

خلفية الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان
إنَّ أقدم وثيقة (مكتوبة) تؤكد على مراعاة حقوق وحريات الأفراد البشر هي الميثاق القانوني للملك كورش من الأسرة الأخمينية (538 قبل الميلاد) في إيران القديمة، ولكن في العصر الحديث في أوروبا، والذي يسمى أيضاً بعصر التنوير، حاول الفلاسفة والمفكرون تطوير نظريات حول طبيعة حقوق الإنسان، ومن خلال نشر نظريات مثل الحقوق الطبيعية، ألهموا صياغة وثائق مثل ميثاق الحقوق في إنجلترا، وميثاق الحقوق في الولايات المتحدة، وإعلان حقوق المواطن في فرنسا.

ومع ذلك، في تاريخ القانون، تم ذكر مجموعة قوانين حمورابي (ملك بابل السادس حوالى عام 1800 قبل الميلاد) كأول وثيقة قانونية معروفة قام فيها الحاكم بتجميع مجموعة كاملة من القوانين لأمته وأعلنها علناً.

في هذه المجموعة من القواعد، الحقوق معترف بها لجميع البشر في ظل هذه القاعدة، والتي يتم تفسيرها والاعتراف بها على أنها «حقوق الإنسان» في موضوعات ومفاهيم القانون الحديث اليوم.

الحاجة إلى وثيقة دولية لحماية حقوق الإنسان
إنَّ الانتهاكات واسعة النطاق والمستمرة والمنهجية لحقوق الإنسان، مثل الإبادة الجماعية لليهود والغجر وقتل الشيوعيين على يد النازيين والفاشيين، استلزمت وضع وثيقة دولية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

إن إدراج مادة بعنوان «الجرائم ضد الإنسانية» في النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية، التي أصبحت تعرف بمحكمة نورمبرغ، جعل ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الجرائم على المستوى الدولي، بغض النظر عن القوانين المحلية في هذه البلدان.

محتوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
يتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 30 مادة تتضمن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية لجميع البشر، وتتعلق المواد من 3 إلى 21 منه بالحقوق السياسية والمدنية، مثل حظر التعذيب، أو حق الأفراد في المشاركة في إدارة البلاد، وتتناول المواد من 22 إلى 27 الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل الحق في الحصول على عمل، والحق في تكوين النقابات والجمعيات والمشاركة فيها، والحق في المشاركة بحرية في الحياة الثقافية للمجتمعات المختلفة.

تنصّ المادة 30 من الإعلان على أنه: "لا يجوز تفسير أي شيء في هذا الإعلان بطريقة تجعل أي حكومة أو مجموعة أو فرد له الحق في القيام بعمل بقصد القضاء على الحقوق والحريات".

الثغرات في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأثر الظروف عليه
إنَّ الفجوات الناجمة عن الاستقطاب العالمي وظهور الحرب الباردة بين القوى العظمى في ذلك الوقت ورفض إنشاء أداة قانونية تفرض مراعاة حقوق الإنسان، أدت إلى فصل الحقوق المدنية والسياسية عن الحقوق الاقتصادية والثقافية. والحقوق الاجتماعية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يجب اعتبارها منفصلة ويساء تفسيرها من حيث روح نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في ذلك الوقت، وبسبب الموقف المتحيز تجاه معايير حقوق الإنسان، أهمل أهم معارضي الحرب الباردة الاهتمام ببعض أحكام حقوق الإنسان، بحيث أن هذا النهج الانتقائي جعل كل خصم يؤكد فقط على الالتزام بأحكام الإعلان الذي من شأنه أن يؤدي إلى تعزيزه في مواجهة الخصم الآخر، وهكذا استقطب مجال الحقوق السياسية والمدنية اهتمام الكتلة الغربية، كما استقطب مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اهتمام الكتلة الشرقية.

وفي الوقت نفسه، تشير المادة 28 من الإعلان صراحة إلى عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة، تتناول هذه المادة الترابط بين كافة الحقوق والحريات الواردة في الإعلان، وتربط كل إنسان بـ "نظام اجتماعي ودولي يجب أن تُحترم فيه جميع هذه الحقوق والحريات احتراماً كاملاً".

العيب الرئيسي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
إنَّ عدم إنفاذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو العيب الرئيسي في هذا الإعلان العالمي، إذ أصرت الحكومات الاستبدادية على ذلك بحجة منع التدخل في شؤونها الداخلية، كما أدركت الدول الديمقراطية إمكانية حدوث نوع من التدخل، لكن هناك طرق تفكير وتصورات أخرى ترى أن عدم تنفيذ هذا الإعلان هو مصلحتها، وترى هذه المجموعة أن عدم إنفاذ هذا الإعلان قد منحه جانباً مرناً وفتح الطريق أمام مبادرات قانونية مختلفة في مجال القانون الدولي.