تطور دراماتيكي خطير ينقل الحرب بين الفصائل الولائية والتواجد الأمريكي من القصف المتبادل للقواعد والمقرات العسكرية في العراق وسوريا إلى قصف السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد، والتي تضم، إضافة إلى رئاسة الوزراء، أهمّ الدوائر الأمنية كالمخابرات وجهاز الأمن الوطني الذي طالته الرشقات الصاروخية التي استهدفت الخضراء فجر الجمعة في 8 كانون الأول / ديسمبر، وبحكم تحصيناتها الأمنية فقد أصبحت المكان المناسب لغالبية البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق، لكن الاستهداف الصاروخي أسقط التحصين الأمني، وعادت المخاطر تهدد البعثات الدبلوماسية على نحو مفاجئ، الأمر الذي يوقع حكومة السوداني في حرج شديد.

الحكومة العراقيَّة أعلنت إدانتها للقصف الصاروخي ووصفته باستهداف أمن الهيئات الدبلوماسية والاستقرار الذي يعيشه العراق منذ تسنم محمد شياع السوداني حكومة المشاركة الوطنية التي يتزعمها الإطار التنسيقي، وتضم جميع الأحزاب والتيارات الشيعية، وكذلك الفصائل المسلحة المنضوية في مؤسسة الحشد الشعبي، باستثناء التيار الصدري الذي انسحب من الحكومة وأعلن معارضته لها واتهمها بالفساد.

التطور الذي حدث نتيجة قصف السفارة الأمريكية دفع الحكومة إلى اتهام الفاعلين بكونهم إرهابيين يمارسون عملاً إرهابياً، وهذا الاتهام يؤشر لتحول نوعي من حكومة السوداني إزاء تلك الميليشيات والفصائل بعد ما كان يحذرها في بيانات سابقة بلغة أقرب إلى الإنشاء السياسي منها للتهديد، وينعتها بالإرهاب وتوجيه القوات الأمنية بملاحقتها وتقديمها للمحاكمة جراء أفعالها الإرهابية على حد وصف البيان.

قصف الخضراء والسفارة يعكس ظاهرة انفراط عقد الفصائل والميليشيات الولائية التي تعمل بتساوق سياسيوإجرائي مع المواقف السياسية لإيران، وقد بدأت ظاهرة الخلاف الشيعي -الشيعي بعد حرب غزة وإعلان بعضها موقفاصريحا للعمل المقاوم الى جانب حماس وحزب الله اللبناني في ضوء التوجيه الإيراني، بينما اتخذت فصائل أخرى دعمالموقف الرسمي للدولة العراقية في إسناد قضية الشعب الفلسطيني والتضامن معه وتقديم ماتستطيع من مساعدات ، وكانالهدف من ذلك هو إبعاد العراق عن ساحة الحرب والدمار الذي عانى منه طويلا ومازال يعاني، الأمر الذي تبعه إنقسامبالمواقف ومشاحنات إعلامية وتصريحات مضادة من بعض فصائل المقاومة الاسلامية ،كما تسمي نفسها، تطعن بمواقفبعض الفصائل التي تجد نفسها إزاء مقاومة سياسية ضد اسرائيل وإبعاد العراق عن أتون الحرب وويلاتها، تطور قصفالسفارة سيعمق من الخلافات بين هذه الفصائل وربما يدفع بها للتصادم بهدف الحفاظ على الحكومة والدولة.

يرى مراقبون أن ما أقدمت عليه المليشيات اليوم دون الإعلان عن نفسها، يعدّ إشارة أولية تبعث بها إيران إلى أمريكا التي شددت خلال الأيام الأخيرة على معاقبة إيران وإيقاف التحويلات المالية البالغة عشرة مليارات دولار أمريكي إليها، فضلاً عن عدم تجديد الإعفاء للعراق باستيراد الطاقة من إيران. وما يعزز هذه الرؤية البيان الصادر عن السفارة الأمريكية ويتهم جهات مرتبطة بإيران بالوقوف وراء هذا الاستهداف، ويؤكد أنهم (أي الأمريكان) قادرون على الدفاع عن أنفسهم والرد على هذه الاعتداءات، الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأنها محاولات لزج أطراف عراقية في الحرب ضد أمريكا، وهو ما يلقى اعتراضاً عراقياً واسع النطاق، ليس من الأحزاب الشيعية فحسب، بل من جميع الأحزاب السنية والكردية والليبرالية التي تجد ضرورة في الابتعاد عن التصادم مع أمريكا لأجل مصلحة إيران أو على حساب أمن العراق واستقراره، ناهيك عن حاجة المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية العراقية لوجود الأمريكان ومساعدتهم للعراق ضد تهديدات داعش أو اعتداءات دول الجوار.