"السلطة الكارثة"؛ بهذه الكلمات تفوه بنيامين نتنياهو عقب عملية طوفان الأقصى وما تمخض عنها من حرب على غزة التهمت الأخضر واليابس. هذه الكلمات التي أتت بعد أن عانى رئيس الوزراء الإسرائيلي ويلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ربما تعكس، في مفارقة واضحة، اتفاقاً نادراً بين الجمع الفلسطيني ونتنياهو.

قال نتنياهو إنَّ أوسلو كارثة، والمعنى أن السلطة الفلسطينية كارثة بما حمله مشروعها من نتائج كارثية على إسرائيل على ضوء ما أفرزته من نشوء حماس وتعزز قوتها، الأمر الذي أسفر عن الدمار الذي لحق بإسرائيل من وجهة نظره. ويتفق الفلسطينيون معه بأن السلطة جلبت دماراً على الفلسطينيين نراه واضحاً في قطاع غزة، ولا أتحدث عن الجانب السياسي الذي سيبقى خلافياً بين الفلسطينيين أنفسهم، ولكن أيضاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين. أما إن كان مشروع السلطة قد قدم خدمات لإسرائيل أو ألحق بها الأذى، فالتاريخ سيجيب على هذا السؤال مستقبلاً.

الفلسطينيون، إلا من رحم ربي، لا ريب يرون أن السلطة كارثة لأنها عادت بهم إلى الوراء عشرات السنوات على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والإنمائية، بل أسهمت في تفشي الفساد على مختلف هذه الأصعدة. إنها، وبعد نشأتها بفترة وجيزة، قادت الفلسطينيين إلى الجمود بل والتراجع، وذاك وباء لا شفاء منه إلا برحيل السلطة ورجالاتها وأذنابها.

وإن كنا نتفق ونتنياهو أن السلطة كارثة، يبقى السؤال: من أتى بهذه السلطة ووطد أسس حكمها وزودها بالسلاح ومنحها القوة وعزز مكانتها، متى سيعلن وفاتها ويحملها لدفنها؟ فما بعد الكارثة طالما انها كارثة؟!

تعالوا أيها الإسرائيليون لنعمل على بناء كيان أو سلطة، أو سموها ما شئم، ولنتفق على أن البناء والاقتصاد والنمو والحياة والرفاه والتعليم والصحة هي العماد والأساس، وهي التي تحقق الاستقرار. تعالوا بنا نبني معاً هذا الكيان الذي يضع الإنسان في المقام الأول، وحينها يكون الإسرائيلي والفلسطيني قد حققا مرادهما واستطاعا أن يعيشا بأمن وسلام، فطالما أن "الكارثة" وأبناءها ورجالاتها قائمون، فلا أمن لكم ولا حياة لنا. "الكارثة - السلطة" لن تحقق شيئاً لا في الضفة ولا في غزة، ولن تجلب لكم الأمن لأنها أصبحت من الماضي، وإكرام الميت دفنه حسبما تتفق الديانتان اليهودية والإسلامية، فاحملوها وادفنوها حتى لا تفوح رائحتها أكثر، وحتى لا تتسبب بانتشار الأوبئة والأمراض، ولن ينفع حينها علاج.