الإنسان اللاديني ليس له وجود آمن في الدولة الدينية، يجب عليه أن يكون منافقاً يظهر شيئاً ويبطن شيئاً آخر، أو يكون في خانة المنبوذين أو يقتل، بينما المتدين من أي دين كان له حق المواطنة وحق الإنسان في الدولة اللادينية (الدولة العلمانية أو المدنية). أي الدولتين أفضل: الدولة التي تعامل الإنسان على أنه إنسان له حق الوجود وحق الحياة وحق العلم والتعلم والعمل مهما كان دينه أو معتقده، أم الدولة التي تعامل الإنسان على إنه دين محدد ومذهب محدد، فمن خرج منهما خرج من الملة ولا يستحق الحياة؟ أي الدولتين أفضل: الدولة التي تحاسب الناس على أفكارهم ومعتقداتهم ولا تحاسبهم على فسادهم وعفونتهم، أم الدولة التي تحاسب الناس على ما اقترفت أيديهم من سوء، وليس ما اقتنعت عقولهم من معتقد؟

اللاديني، أو من يعتقد بالدين المخالف، عليه أن يبحث عن وطن فيه الأمان، وخير الأوطان من يعطه حق العيش بكرامة. لم يخلق الله الناس ليكونوا على خط واحد ودين واحد، بل خلقهم ليعيشوا كبشر تجمعهم الإنسانية والمحبة. عندما يكون أخوتي في الدين هم الأشرار، فالعيش مع أخوتي حرام، والعيش مع من يشاركونني في الإنسانية هو الحلال.

الدولة الدينية هي دولة الفقهاء ذات التعاليم الدينية الثابتة، ولا تصلح هذه التعاليم لمن يعتنق ديناً مختلفاً أو لمن اختار المعتقد اللاديني، فهي دولة لفئة معينة من الناس، ولا يمكن أن تكون دولة للجميع، فالدولة العصرية هي دولة للجميع، ويجب أن تكون متداخلة مع شعوب العالم المختلفة والمتنوعة عقائدياً، وبالنتيجة ستكون الدولة الدينية منعزلة حضارياً وفي صراع أيدلوجي مع بقية دول العالم، فتتحول إلى دولة عدوانية بسبب عزلتها. إنَّ من أسرار تطور البلدان اللادينية أو الدول المدنية هو انفتاحها على جميع شعوب الأرض بمختلف دياناتهم، مما دفع مختلف العقول إلى أن تتعاون في بناء تلك الدول.

من الخطأ القول إنَّ سكان الدول الغربية لهم عقول متفوقة على باقي البشر، لأنَّ الأوربيين عاشوا عشرات الآلاف من السنين حالهم حال بقية البشر تخلفاً وبربرية، لكن اللغز بدأ عندهم حين قرروا ترك الدين كشأن شخصي، والدولة للجميع، فانفجرت عندهم الطاقات، واهتدوا إلى العلوم والمعارف الصحيحة، وهاجرت إليهم مختلف العقول من أنحاء العالم لتشاركهم العمل والإبداع، وعندما شاهدوا بأم أعينهم نتائج عملهم الرائع، عملوا على تطوير دولهم المدنية، فوضعوا الدساتير التي تحافظ على الدولة المدنية ووضعوا القوانين التي تساوي بين الجميع وأسسوا المنظمات المدنية والجمعيات الإنسانية، فصاروا في عالم مختلف تماماً عن العوالم الأخرى، عالم فيه الإنسان كائن مقدس، والمرأة فيه روح الحياة، والطفل فيه زهرة الحياة. هذا الفارق ما زال صعب الفهم عند دعاة الدولة الدينية. دعاة الدولة الدينية يفهمون الأمور حسب النصوص، ولا يبالون بالنتائج، ولا ينظرون إلى مقدار تخلفهم، ومن الصعب جداً تغييرهم، فقد تقوقعت أفكارهم على قالب واحد لا يتغير.

هناك فرق كبير بين الدولة الدينية والمجتمع الديني؛ المجتمع الديني ضرورة اجتماعية تتوارثها الأجيال وتحافظ عليها وتستطعم وجودها، فهي موجودة في قلوب وضمائر الناس ولا يمكن محوها، أمَّا الدولة الدينية فهي خدعة للحفاظ على المجتمع الديني ولبسط العدالة، فالدولة الدينية بالحقيقة ضد المجتمع الديني وضد العدالة، العدالة بمعنى الناس بكل أصنافهم وعقائدهم سواسية أمام القانون وليست هناك أفضلية لدين على دين. فهل يستطيع اللاديني أو المرأة أو المنتمي إلى دين مخالف أن يكون الحاكم أو القاضي أو المشرع في الدولة الدينية؟ إذا كان الجواب لا، فأين العدالة في الدولة الدينية؟

لقد بعث الأنبياء ليؤسسوا مجتمعات دينية، لا دول دينية، وحينما وافتهم المنية بقيت الأديان والمجتمعات الدينية قائمة، بينما الدول الدينية التي تأسست من بعدهم، وهي بالعشرات، انتهت. على المتدينين قبل غيرهم محاربة الدولة الدينية ومحاربة دعاتها لأنها فتنة وخدعة كبيرة تؤدي إلى الإقتتال والحروب، وبالنهاية تسقط كمثيلاتها السابقات. فليس من الصواب جعل هذا الإنسان الكائن العظيم مختبراً لتجارب الفقهاء.