في ظل تردّي مستوى التعليم العموميّ في البلدان العربية، على العموم اضطرّ الآباء إلى اللّجوء إلى التعليم الخصوصيّ لتسجيل أبنائهم في مدارس حُرّة ظنّاً منهم أن هذا هو الحلّ الوحيد لإنقاذ مستقبل أبنائهم من خلال تلقّيهم تعليماً ذا جودة عالية، إلّا أنهم يجهلون أن المنظومة التربويّة في كلا التعليميْن، الخاصّ والعام ، مُتجاوَزة وقديمة، تعتمد أساليب تقليدية في تدريسها، كالإلقاء والمُحاضرات الفارغة المضمون، ناسيةً أوْ مُتناسيَةً أنَّ الاعتماد على هذا الأسلوب لا يُجدي نفعاً، بحيث يقوم بتأثيث ذاكرة المتعلّم فقط، ولا يفتأ أن يدوس النسيان على تعلُّماته في ظرف وجيز ولا يستفيد مما اكتسبه من مدرسته الفاشلة.

في البلدان التي تهتم بعنصرها البشريّ، تعتمد التعليم التطبيقي أكثر من النظريّ، وبذلك تُعِدّ أجيالها الناشئة للانخراط في سوق الشغل الذي أعدّت له مقوّماته الأساسية من مصانع ومعامل، من أجل الاستثمار في ثروتها البشرية التي هي الركيزة الأساسية في بناء بلدانها في كل المجالات والميادين، وبتعليمها المتطوّر الحديث استطاعت أن تتبوّأ هذه البلدان مراتب عليا بين أمم الأرض، كما اهتمت كذلك بالبحث العلمي والذي ترصد له كل سنة ميزانية هائلة تفوق كل ميزانيات القِطاعات الأخرى، في الوقت الذي يغيب فيه البحث العلمي في البلدان العربية التي لا تُولي هذا الأمر أي اهتمام ولا تُخصِّص له من ميزانية الدولة إلّا الفُتات، تلك الميزانية التي تذهب إلى قطاعات أخرى غير مُنتجة ولا مصلحة للشعوب فيها في هذه المرحلة التي تتنافس فيه دول العالم على تقوية اقتصاداتها وتنمية بلدانها على أسس متينة وصلْبة، بخلاف الدول العربية التي لا تهتم بتقوية اقتصاداتها من خلال برامج طموحة تُراعي فيها كيفية رِبْح رهانات التنمية البشرية في بلدانها عوض صرف أموال طائلة (أموال الشعب) في المِهرجانات والحفَلات التّافهة وإحياء المواسِم التي لا تُفيد في شيء، بذريعة أنها من تُراث وثقافة هذه البلدان، ويجب المُحافظة عليها.

المسؤولون عن تدبير الشأن العام وإدارة أمور بلدانهم في اتجاه وضعِها على سكّة التحديث والتّقدُّم والتطوّر والازدها، يبدو، أنّهم غير آبِهين بذلك، وغير مُهتمّين بالرّفع من مستوى بُلدانِهم لِتَتبَوّأَ المَراتب العُلا والمرموقة بين أمم العالم المُزدَهرة. نَعم، إنّ الطبقات المَسؤولة لا تهمها بلدانها في شيء، وكل اهتمامها يصُبّ في السعي وراء مصالحها الذّاتيّة والشخصيّة، تجِدُها تستثْني الكفاءات من رجالِها في تقلُّد مناصِب ومواقع القرار للإفادة من عِلْمِهم وخِبْرتِهم، وفي كلّ المجالات و الميادين.

وما دامت هذه الطبقات لا تَحترم الشعوب وليس في نيتها التفكير أبداً في أيّ تغيير سياسيّ يقوم على الديمقراطية الحقيقية والحرية والعدالة الاجتماعية التي تطمح إليها هذه الشعوب التي لا تزال تعيش شريحة واسِعة منها أوضاعاً اجتماعية مزرية، وترزح تحت فقر مُدقع وجهل فاحش وبِطالة وعدم التشغيل وانعدام التطبيب والتّهميش والإقصاء إلخ، علماً أنّ جميع البلدان العربيّة تزخر بثرواتٍ طبيعيّة هائلة لا تُعدُّ ولا تُحصى، تدر على ميزانياتِها الملايين من الدولارات بل البلايين.

إنّ المَسؤوليّة في تردّي أوضاع التعليم في العالم العربيّ تقَع على عاتِق المَسؤولين الذين أبَوْا إلّا أنْ يُهمِلوا هذا القِطاع الذي يُشكِّل قُطب الرّحى في اقتِحام عالم اليوْم، عالم الحَداثة والتكنولوجيات المُتنوِّعة والمُختلفة، عالَم التّصنيع والابتكار والاختِراع والاكتشاف والتحضُّر، الذي وَضع قطيعةً مع التّخلُّف الفكريّ الذي لا تزال الدول العربيّة ترزَح في براثِنِه وتعيش في أحضانه.