المتابع لما شهدته أروقة محكمة العدل الدولية في لاهاي اليوم يصاب بالصدمة أمام هول الانتهاكات الإجرامية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، ولا يملك إلا أن يتساءل لماذا لم تقم أي دولة عربية بما قامت به جنوب أفريقيا، فترفع أمام القضاء ما ينصف الفلسطينيين. كيف لنا، كعرب لدينا كل هذه الإمكانيات، أن نغفلها، وننتظر جنوب أفريقيا لتنتصر للفلسطينيين؟ وربما الأدق أن نتساءل بالتحديد: ألم يكن باستطاعة السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس أن تنتصر لأبناء جلدتها، وأن تلجأ لمحكمة العدل الدولية؟ ما هذا الإخفاق العربي، وما هذا التهاون الفلسطيني بأرواح وممتلكات الأبرياء في غزة.

إقرأ أيضاً: الشباب اللبناني بين الطموح والتحديات

لقد أظهر أبناء جنوب أفريقيا براعة في تقسيم الأدوار أمام هيئة المحكمة، وقدموا عرضاً مبهراً، قل نظيره، حتى لتظن أنَّ الغزيين أبناء جلدتهم أو أبناء عمومتهم، وعرضوا أدلة صوتية ومرئية وخطابات رسمية لقادة الكيان الصهيوني وفيديوهات لجنود صهاينة، وفيديوهات تظهر تفجير المنازل والمدارس، تدل أنهم كانوا يجمعون المعلومات والوثائق والصور كأدلة دامغة على مدى توحش وهمجية جنود الاحتلال الإسرائيلي.

إنَّ العرض المتميز الذي قام به أساتذة القانون والمحاميون من جنوب أفريقيا، جعل العالم الحر والمتمدن يحكم على إسرائيل من أول جلسة بأنها دولة إجرام، ولم يعد ثمة من حاجة لأن ينتظر العالم نتيجة المحاكمة، فما عرض كان كافياً ووافياً ليدل، ما لا يقبل الشك، أن إسرائيل دولة عنصرية تمارس الإبادة الجماعية ضد العزّل والبسطاء من البشر، وأنها كيان منبوذ حتى لدى من دعموها في الحرب، وكأنما هي وباء يصيب كل من اقترب منه.

لقد جاء موعد المحاكمة في وقته، ذلك أنَّ دولة الكيان العنصري كانت تتجه في نهاية الثلاثة أشهر من القصف المركز إلى خيار التهجير الطوعي للغزيين، بعد أن فشلت في محاولتها الأولى في بداية الحرب في تنفيذ التهجير القسري حين مسحت أحياء بأكملها ومدناً من الوجود، وحشرت الغزيين في جنوب القطاع كي يهربوا عبر الحدود إلى سيناء. وتستطيع المحكمة اليوم أن تضغط معنوياً على إسرائيل كي توقف القتال والتهجير، باعتبارهما من الأفعال التي تندرج في باب الجرائم ضد الإنسانية.

إقرأ أيضاً: تذكرة ذهبية للمستقبل

لقد حال الوهن العربي والتفكك العربي دون حيازة شرف الدفاع عن فلسطين أمام هذه المحكمة، وفازت به جنوب أفريقيا التي عانت من نظام الفصل العنصري الشبيه بما يعانيه الفلسطينون اليوم. ولم تنس جنوب أفريقيا وقوف العرب في صف قضيتها المحقة، لترد الجميل بدفاع اليوم عن فلسطين جميل.