لا حديث يعلو هذه الأيام على حديث فلسطين، خصوصاً بعد تجدد الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل، والتي بموجبها يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من قبضة حماس، وكذلك شيوع الهدوء في غزة وعودة الروح إلى القطاع الجريح بعد أكثر من مئة يوم من الحرب.

ربما يرغب الطرفان، حماس وإسرائيل، في الهدنة بسبب تفاقم الأوضاع وتعقدها على أرض فلسطين وفي المنطقة ككل، خصوصاً بعد دخول أطراف خارجية في دائرة الصراع، ولعل أبرزها حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين، لكن تبدو سياسة "العناد والتكبر" سائدة بين الطرفين من أجل أن يثبت كل طرف للآخر، وللعالم، أنه الأقوى والجبهة الفائزة في الحرب.

سيناريوهات كثيرة تتداولها وسائل الإعلام العالمية والإقليمية عن مبررات خاصة بإسرائيل أو بحماس لعدم القبول بشروط هدنة جديدة، لكن ربما هناك حقيقة واحدة تلخص المشهد، وهي أنَّ الطرفين يلعبان "سياسة"، من دون النظر إلى الأبعاد الإنسانية للحرب أو أوضاع الرهائن.

إقرأ أيضاً: الحرب تمتد إلى لبنان واليمن.. و"الفتن" تأتي من الشرق!

ما زالت الوساطة المصرية القطرية تنادي بتجدد الهدنة، غير أن ما يُقال من قبل إسرائيل أو حماس عن "خلافات اللحظة الأخيرة" ينهي كل الجهود الرامية للاتفاق أو تهدئة الوضع الإنساني... فمن أين يأتي السلام؟!

قرار "حماس" أيضاً باستمرار احتجاز الرهائن يلاقي انتقادات واسعة النطاق في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كما أثار هذا النهج مخاوف بشأن مصير هؤلاء، فضلاً عن تأثير الخطوة على الوضع الإنساني الهش أصلاً في غزة. فالناس تريد إنهاء الحرب وحلول السلام... لكن من يسمع ويستجيب!

واقعيًا، نحن أمام مأساة ومعادلة صعبة لا تُحل، ويبدو أن دخول جهات دولية على خط الوساطة لإقناع طرفي الصراع أو أحدهما بالتنازل عن بعض الشروط من أجل حقن الدماء في غزة وعودة الرهائن إلى ديارهم باءت بالفشل ولن تجدي نفعاً، وما يزيد المأساة ألمًا هو تسجيل الحرب على غزة حوالى 100 ألف ضحية في 100 يوم، فما بين شهيد وجريح ومفقود تتجدد المأساة اليومية.

إنَّ جهود الوساطات المحلية والدولية للتوصل إلى هدنة جديدة قد تسكن الآلام وتخفف وطأة المأساة، سواء للشعب الفلسطيني أو للرهائن الإسرائيليين وذويهم ممن يحتجون يومياً في إسرائيل وينادون بعودة أهاليهم ورحيل حكومة بنيامين نتنياهو.

إقرأ أيضاً: بكل الطُرق الممكنة باقون

لكن تظلّ الإبادة الجماعية في حق شعب غزة جريمة تلاحق نتيناهو وحكومته، خصوصاً أن هناك مليوناً و955 ألف فلسطيني نزحوا قسراً عن منازلهم ومناطق سكنهم في قطاع غزة، من دون توفر ملجأ آمن لهم، وهم يمثلون حوالى 85 بالمئة من إجمالي السكان، وما زالت تل أبيب تتعمّد إلحاق أضرار جسيمة بالشعب والمجتمع وتدمير مرافق البنية التحتية بقطاع غزة، لجعله منطقة غير صالحة للسكن، فضلاً عن تدمير المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات والمرافق والحياة ككل، وكأنها لا تريد إنهاء الحرب أو عودة الرهائن.

باستقراء المشهد في غزة، يبدو أنَّ مصير الرهائن الإسرائيليين مرتبط باستمرار جهود الهدنة والحلول الإنسانية، وقد نادت الأمم المتحدة بضرورة الاتفاق على خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لإنهاء الصراع بين الطرفين وإنقاذ الوضع الإنساني في غزة، وحلول عملية السلام بإعلان اتفاق تأمين إطلاق سراح رهائن لدى حماس، وحلول هدنة لتيسير الإفراج عن الرهائن وتخفيف احتياجات الفلسطينيين في غزة، والتي بالتالي ستحدث نوعاً من الهدوء داخل القطاع، ومن ثم تدفق المساعدات الإنسانية بشكل مستمر وآمن إلى جميع المحتاجين.

إقرأ أيضاً: حرب السيوف الحديدية واليوم الذي سيلي

هذا الاتجاه دعمته جامعة الدول العربية التي رحبت بهدنة شاملة في غزة، وذلك في الوقت الذي تصاعد فيه الضغط الدولي، وتمسكت فيه عائلات الرهائن الإسرائيليين بمطالبة حكومة بلادهم بالاستقالة أو التحرك الفوري لتأمين الإفراج عنهم.

وبالرغم من تشبث نتنياهو بمواصلة الضغط العسكري، تتواصل الجهود والمساعي الدبلوماسية من أجل تسريع التوافق حول هدنة جديدة تسهل تبادل الإفراج عن الرهائن والأسرى بين إسرائيل وحماس.

إقرأ أيضاً: انتقد حماس أو إيران.. فتصبح من "الصهاينة العرب"!

في نفس الوقت، تريد حماس أن تظهر هي الأخرى في موقف قوة، لتبدو صاحبة ثقل سياسي في فلسطين والمنطقة، لذلك تتعنت أمام شروط الهدنة وتغلق الأفق على أي بارقة أمل لإنهاء الحرب.

ولكن، يبدو أن الموقف يحتاج إلى وعي من الطرفين بخطورة الحرب ووضع الأسرى، وكذلك تنازلات لهدنة أخيرة في غزة، لأنَّ استمرار الحرب ليس من مصلحة أحد.