ماذا حدث في كرمان؟
لا يهمل نظام الأفاعي الحاكمة في إيران باسم الدين أي فرصة تمكنه من البقاء والتوسع والتمدد داخل وإيران وخارجها. ولعدم شرعية نظام الملالي وإفلاسه فكرياً وعقائدياً، لم يكن أمام الولي الفقيه رأس أفعى النظام سوى اتباع العنف والقمع نهجاً وصناعة الأزمات وإثارة الحروب والفتن وتصدير الإرهاب كوسائل لضمان بقاء النظام على سدة الحكم. وطوال مسيرة الأربعة عقود ونصف لهذا النظام القائم في إيران إلى اليوم، كان القتل والإعدامات والأحكام التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان وقتل النساء والأطفال واضطهاد الأقليات والاعتداء على دول الجوار ونشر الإرهاب والتطرف السِمة الغالبة لسلوك هذا النظام.

ما حدث في كرمان لم يكن آخر الجرائم التي يفتعلها نظام الولي الفقيه ولن يكون، فقد دأب على افتعال الأحداث للتخلص من أزماته، وجاءت تفجيرات كرمان التي تزامنت مع الذكرى السنوية لمهلك قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإرهابي، وأدت إلى حصد أرواح العشرات وجرح العشرات، بقصد التغطية على افتضاح تورط الملالي في حرب غزة بحسب اعترافات الحرس وقادة النظام، وكل هذا من أجل القضاء على الانتفاضة الوطنية القائمة وإنقاذ أفاعي النظام من سحق رؤوسها، وبالتالي بقاء النظام في السلطة. وقد استغل النظام هذه التفجيرات ليدعي أنه يتعرض إلى هجمة إرهابية، وأن تنظيم داعش هو من قام بهذه التفجيرات، لتتوالى على النظام برقيات تضامن شركائه، متناسين أن الملالي، وباعترافهم، هم ممن صنعوا داعش كعصابة دموية يمكن استدعاؤها كلما اقتضت الضرورة، وكما حدث في شيراز حدث في كرمان، وقد رفض الشعب سيناريو داعش الذي افتعله النظام ووصفوه بأنه هو داعش نفسها، هو وفصائله.

التاريخ والعلاقة المشتركة بين الملالي والغرب
تاريخ العلاقة بين الغرب والملالي قديماً معاصراً، ولم ينتهِ بالرغم من نعيق الإعلام وتأرجح العلاقة هذه في الظاهر بين الانسجام والتوتر، لكنها في الحقيقة تسير وفق مخطط دقيق مرسوم منذ أن كان الملالي يدعمون السلاطين، وحتى تنصيبهم جلادين في إيران سنة 1979 وحتى اليوم. ولا يوجد أقوى وأكبر من أن يتخلى الغرب عن ادعاءاته بالقيم وحقوق الإنسان من أجل نظام الملالي، ولو أن الغرب كال بمكياله الحقيقي في تعامله مع الملالي، لأسقط حكمهم وأنهى وجودهم منذ أول خمس سنوات لهم في الحكم... أو على الأقل في أول انتفاضة للشعب ضد الملالي، وما كان من الغرب إلا أن حاصر انتفاضات الشعب الإيراني وعتم عليها إعلامياً، وعندما تكلم عن الانتفاضة، تكلم عنها واصفاً إياها بانتفاضة الحجاب، أي أنها انتفاضة فئوية، وهو ما يريده نظام الملالي، وكذلك من أقوى صور العلاقة بين الملالي والغرب هي توافق الغرب، وحتى الأمم المتحدة مع الملالي في هيمنتهم على العراق، وامتداحهم دور الملالي في العراق، وتغاضيهم عن حملات الملالي الدموية ضد المعارضين الإيرانيين في العراق، ومن بينها الهجمات الدموية على سكان مخيمي أشرف وليبرتي الأبرياء العزل في العراق وقتلهم البعض وإصابة آخرين قبل انتقالهم إلى ألبانيا، بالرغم من أنهم كانوا محميين دولياً بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وبموجب اتفاق آخر رباعي مشروط كانت فيه حمايتهم مقابل الانتقال من مخيم أشرف إلى مخيم ليبرتي، وكانت أطراف الاتفاق تتألف من أميركا والأمم المتحدة والعراق وممثلي سكان مخيم أشرف، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعاً.

غرابة تهافت الغرب برسائل التضامن مع الملالي
نعم، من الغريب تهافت الغرب برسائل التضامن مع الملالي بشأن تفجيرات كرمان، خصوصاً بعد إعلانهم المسؤولية عن طوفان الأقصى وقرب الانتخابات الإيرانية، والسبب في ذلك هو أنَّ الغرب يحاول تجنب التصعيد مع إيران في الوقت الحالي، خصوصاً مع قرب الانتخابات الإيرانية، فالغرب لا يريد الدخول في مواجهات مع نظام الملالي، ولا يريد زواله، فهو من يلبي مصالحه في المنطقة، ومن هذا المنطلق يُبدي الغرب مرونة مع أفاعي إيران من أجل إحياء الاتفاق النووي، فالغرب يؤمن أنَّ امتلاك تلك الأفاعي السلاح النووي لن يضرهم في شيء، بل سيخدمهم في ترويض دول وشعوب المنطقة بهذه القدرة النووية في أوساطهم، مما سيدفعهم إلى طلب العون والسلاح والدعم السياسي والأمني، ومن هنا يمكن للغرب فرض رؤيته على المنطقة من خلال تلك الأفاعي التي تستمر في تعبئة فراغ غياب الشاه المخلوع، وأياً تكن التفسيرات، فإنَّ تهافت الغرب برسائل التضامن مع الملالي بشأن تفجيرات كرمان هو سلوك له مبرراته ومتوقع من الغرب شريك الملالي في المنطقة شئنا أم أبينا.

الموقف من سيناريوهات العلاقة بين الملالي والغرب بعد تفجيرات كرمان
بداية يدرك الشعب الإيراني تماماً حقيقة هذه التفجيرات، ولا تنطلي عليه السيناريوهات المتعلقة بها، ويرفضها. كما يعلم شكل العلاقة القائمة بين الملالي والغرب، فالشعب الإيراني وشعوب المنطقة يعرفون حقيقة النظام الإيراني، ويدركون أنه نظام إرهابي يشكل تهديداً للأمن الإقليمي، وسيواصل المطالبة بإسقاط نظام الملالي وسيعبر عن ذلك بتنظيم الاحتجاجات، وسيلجأ إلى المقاومة المسلحة في نهاية المطاف من أجل إسقاط هذا النظام الفاشي، كما أنَّ شعوب المنطقة ترفض هي الأخرى هذه السيناريوهات، وباتت تُدركها وتتعايش معها، وستدعم الشعب الإيراني في مطالبته بإسقاط نظام الملالي، وقد تنظم شعوب المنطقة احتجاجات ضد النظام الإيراني للتعبير عن رفضها الكلي للنظام، كما أنَّ هناك رغبة شعبية عربية في القضاء على نظام الملالي عسكرياً وسحق رأس أفعى ولاية الفقيه مهما كلف ذلك، لكن الحروب مرفوضة، وقد كلفت الجميع ضريبة باهظة، ولم يبقَ سوى خيار تعزيز قدرات المقاومة الإيرانية ودعم ثورة الشعب الإيراني لسحق رؤوس تلك الأفاعي المعممة والإطاحة بنظام الملالي على يد الشعب... ومحاكمته أيضاً من قبل الشعب.

سر ازدواجية نظام الملالي في إيران في التعاون مع الروس والصينيين والأميركان والغرب
يمكن تفسير ازدواجية نظام الملالي في إيران في التعاون مع الروس والصينيين بالتزامن مع الأميركان والغرب، وتمكين الطرفين المتصارعين من المنطقة، من خلال تسليط الضوء على المصالح المتباينة، لنجد أنَّ نظام الملالي لديه مصالح متباينة مع القوى العالمية المختلفة؛ فمع روسيا والصين، يسعى نظام الملالي إلى الحصول على الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي في مواجهة الضغوط الأميركية والغربية والحفاظ على حكمه ومواجهة التهديدات التي يواجهها سواء في الداخل أو الخارج، ومع أميركا والغرب يسعى نظام الملالي إلى الحصول على الاستثمارات الاقتصادية والتجارية وتقاسم الهيمنة في المنطقة من خلالهم، ولا يُستبعد وجود رضى أمريكي وغربي حول تلك العلاقة، ولا غرابة في ذلك، فكلا الطرفين، سواء الملالي أو الغرب، يسيران بنفس المعايير الازدواجية بغض النظر عن أي اعتبارات دينية أو أيديولوجية أو أخلاقية، وتتماشى هذه الازدواجية التي يقوم عليها النظام مع الغرب والقوى الطفيلية التي تدور في فلكه، وهي كذلك وسيلته للبقاء في السلطة، وقد يكون سرها في توافق الغرب مع الملالي على تقاسم النفوذ في المنطقة وتوفير الأسباب لذلك... أما نحن، فعلينا فك قيودنا أو كسرها بتحطيم رؤوس أفاعي طهران، وإنقاذ المنطقة والشعب الإيراني من سمومها، وبنفوق تلك الأفاعي تتنفس المنطقة وشعوبها الصعداء، وتستعيد سلمها وأمانها.