بعد الفجيعة الأخيرة في قرى الجبل الجنوبية عرمان وملح، التي راح ضحيتها أبرياء من الأطفال والنساء بسبب القصف الأردني بذريعة ملاحقة تجار المخدرات، لا بد من إعادة فتح الحديث الملحّ للغاية والراهن دوماً عن وزر الدم السوري، وعلى من يقع، ولماذا كل هذا الاسترخاص المروّع والانتهاك الصارخ لإنسانية السوريين.

بادئ ذي بدء، فإنَّ المسؤول الرئيسي هو النظام السوري، الذي استعمل كل أساليب الإبادة، بدءاً من القصف العشوائي للمدن، والقناصة، والاعتقال، والتعذيب حتى الموت، والبراميل المتفجرة، والكيماوي، والحصار حتى الموت جوعاً، والتهجير القسري، وإلى ما هنالك من جرائم صار جزء لا بأس به منها موثّق وموصوف وخاضع للملاحقة ولو طال الزمن.

المسؤولية الجنائية والقانونية التي تضاف اليوم هي ما يلي:

إنَّ ما حدث هو من عواقب محاولات إعادة تأهيل النظام السوري وإعادته إلى الحظيرة العربية بعد قمة الرياض الأخيرة، والتي كان أحد أهم بنودها وقف تجارة المخدارت التي تدر على النظام السوري المفلس أموالاً تطيل فترة إضافية ما تبقى من حكمه الآيل للزوال. إذ أنَّ من فعل ذلك، فعله بهدف خلق الذرائع وخلط الأوراق بطريقة مفضوحة، ولم تعد خافية على أحد المحاولات اليائسة للبعض لإنقاذ نظام الحكم المجرم في سوريا.

المسؤولية الجنائية الإضافية هنا أن عدم تحريك أي استنكار دبلوماسي من أي نوع تجاه انتهاك من بلد جار تجاه المدنيين يؤكد الاشتراك في الجريمة.

ما يشبه هذا الأمر ينطبق على انتهاك تركيا للشمال السوري، والاحتلال المعلن لمناطق منه من دون أي اعتراض في الدوائر الدولية من قبل النظام الذي لا يزال حتى هذه الساعة يعتبر الممثل الرسمي لسوريا في المقاعد الدولية.

وعلى غرار ذلك أيضاً، الانتهاك الإسرائيلي المستمر والكثيف للمناطق السيادية السورية بدون تحريك أي ساكن أيضاً.

كما ينطبق سلوك الانتهاك في مناطق أخرى وبأشكال مختلفة على روسيا في الساحل وغيره، وأميركا في المناطق الشرقية والشمالية، وطبعاً على انتهاك إيران للسيادة السورية بما فيها السيادة الأمنية في أماكن ومفاصل عديدة.

وبالرغم من كل هذه الإهانات والانتهاكات الأفقية والشاقولية التي تقع على الشعب السوري من أجل إطالة عمر طغمة الحكم في دمشق، إلا أنَّ من يشترك بالمسؤولية عن هذا الدم السوري المقدس هي أيضاً حالة الفراغ السياسي التي يتحمل شرفاء سوريا مسؤوليتها لا الجنائية وإنما الأخلاقية والوطنية والتنظيمية.

إنَّ هذا الاستعصاء السياسي، والعجز عن التوافق، والشلل التنظيمي، والانقسام السياسي، وعدم ترتيب البيت الداخلي السوري، وانعدام الفاعلية بسبب عدم التنسيق والمتابعة بين القوى الوطنية السورية الذي يقوم بالحد الأدنى بالطعن في شرعية هذا الوضع القائم، هي مسؤولية مشتركة.

إنَّ الأصوات المبعثرة حتى وإن كانت نظيفة ووطنية، فإنها مشلولة وعاجزة وضعيفة.

إن حالة عدم التوافق على شخصيات قيادية جماعية سورية يتم تفويضها وتشكيل هيئات استشارية للمتابعة معها والتنسيق والتخطيط والمتابعة، يعني الاستمرار في الخراب وتعميمه.

كما أن الاستسلام لليأس والزعم بأن الأمور لم تعد بيدنا مهما فعلنا، مع العلم أن هناك الكثير جداً من العمل الذي لم ينجز بعد ولم يتم حتى البدء به، هي مشاركة مباشرة وغير مباشرة في تعميم الخراب واستمراره.

وأيضاً تغليب المصلحة الخاصة والحزبية وتضخم الأنا، والاستثمار في الخراب والدم لتحصيل المكاسب الموقتة والآنية هي مسؤولية مشتركة عن الدم السوري.

في آذار (مارس) القادم، سيكون قد مر ثلاثة عشر عاماً منذ أن خطت أصابع أطفال درعا على الجدران "إجاك الدور يا دكتور". منذ ذلك الحين وحتى الآن، أستطيع أن أفهم التصحر السياسي منذ الستينيات بعد أن خرجت سوريا عاقراً من الحياة السياسية التداولية والتي ما لبثت أن دخلت في استعصاء الحزب الحاكم الأوحد، إلا أنه منذ آذار (مارس) 2011 وحتى الآن .. لا بد أن دين هذه الدماء المقدسة التي سالت أنهاراً منذ ذلك الحين قد أصبح ملزماً بما لا تحمله ضمائر الوطنيين حتى لا يكونوا من دون أن يقصدوا أو يسعوا إلى ذلك شركاء في هذه المقتلة السورية التي لن تنتهي حتى يستكمل السوريون الشرفاء توافقاتهم الوطنية، حتى ينام أطفالنا بعد اليوم بأمان، ولا يستيقظون في اليوم التالي وقد تحولوا إلى أشلاء تحت الأنقاض.