يسعى النظام الإيراني بين فترة وأخرى إلى إبراز حجم الأخطار والتهديدات التي واجهها منذ تأسيسه حتى يومنا. وبعد أن يصف مدى الخطورة المتناهية لما واجهه، يرد إلى العناية الإلهية قدرته على الصمود، باعتبار أنَّ السماء هي من تحمي هذا النظام من شرور العالم وأخطاره، وفي المقدمة منها خطر الشعب الإيراني!

والحق أنه لا يمکن التقليل أبداً من حجم الأخطار التي واجهها هذا النظام حتى الآن، ولا من شدتها، بل إنَّ البعض منها بلغ حد تهديده بالسقوط، لا سيما إبان عمليات "الضياء الخالد"، التي قام بها جيش التحرير الوطني الإيراني عام 1988، حيث وصل إلى مشارف مدينة کرمانشاه، وکذلك الانتفاضة الوطنية الأخيرة في أيلول (سبتمبر) 2022، على سبيل المثال لا الحصر، هذا إضافة إلى الحروب والحصار والعقوبات الدولية والعزلة التي يواجهها ومشاعر الرفض والکراهية من جانب الشعب الإيراني، ناهيك عن وجود معارضة إيرانية قوية ومنظمة، ونعني بها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. لکن مع ذلك يبقى السٶال الذي يفرض نفسه، ولا نجد مناصاً من طرحه: لماذا بقي النظام؟ وما السر الذي يكمن وراء ذلك؟

إقرأ أيضاً: ماذا يدور بين الغرب والملالي بعد حادثة كرمان المفتعلة

إنَّ هذا النظام، وبالرغم من الرفض الاقليمي الصريح له، وبالرغم من عدم الارتياح الدولي لسياساته، جابه التحديات واستمر، وعزا ويعزو ذلك إلى "العناية الإلهية" على حد زعمه. لکن من المهم أن نعرف أن النظام قام بترتيب أوضاعه وأموره بطريقة وأسلوب توافقي مع العامل الخارجي، وتحديداً مع البلدان الغربية، من خلال التخادم المصلحي القائم بين الطرفين، والذي يحرص النظام عليه کثيراً، ويبدو أن الغرب، من خلال سياسة المسايرة والمداهنة والاسترضاء، لا يقل حرصاً عن النظام الإيراني، بالرغم من أنَّه صار يعلم جيداً استحالة حدوث أي تغيير من الداخل من خلال أجنحة النظام.

إقرأ أيضاً: ماذا ينتظر خامنئي؟

هذا العامل المهم يبدو أنَّ هناك من يقلل من شأنه، لکن النظام، وفي ظل هذا العامل بالذات، مارس مجازر دموية ووحشية ضد الشعب الإيراني، تمثلت خصوصاً في ما ارتكبه في مدينة سنندج في بدايات تأسيس النظام مستهدفاً الأکراد الإيرانيين، إلى جانب مجزرة صيف 1988 ضد الآلاف من السجناء السياسيين، والمجزرة التي نفذها بحق انتفاضة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، وکذلك بحق انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، ناهيك عن المجزرة التي ارتكبها العام الماضي بحق مدينة زاهدان، حيث التزم المجتمع الدولي، ولا سيما البلدان الغربية، الصمت المطبق إزاءها. وثمة ملاحظة مهمة بهذا الصدد، وهي أنَّ إسرائيل، وبالرغم مما تتمتع به من قوة ونفوذ على الصعيد الدولي، وجدت نفسها أمام محکمة العدل الدولية في لاهاي بسبب مجازرها في حرب غزة، لکن النظام الإيراني، وبالرغم من المجازر الکثيرة التي ارتكبها، لم يساق إلى لاهاي ولا سواها، مع أن ثمة آلاف الأدلة التي تدينه. ونتساءل أثمة من يمنع أو يحول دون ذلك من أجل حماية هذا النظام وضمان بقائه واستمراره؟

إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه

إن حال الذين يحمون هذا النظام الدموي، وينتظرون أن يتأقلم يوماً ما مع العالم، حال من يجرون خلف سراب، وسيجدون في النتيجة أنهم خلقوا بأيديهم وحشاً أعمى، يضرب يسرة ويمنة کما في هجماته الصاروخية الأخيرة التي استهدفت ثلاث دول. فهل سيتم سحقه قبل أن يتمادى أکثر؟!