تُعرَّف الثغرة الحربية في العلوم العسكرية في أبسط وأوجز تعريف لها بأنها مناورة عسكرية أو اختراق يحدثه أحد الجيوش بين صفوف أو خلف جيش العدو الذي يواجهه في جبهة التماس.

وتأسيساً على هذا التعريف، أستطيع القول إنَّ عملية طوفان الأقصى مناورة عسكرية رائعة أو عملية التفاف تعتبر من عمليات الالتفاف النادرة في تاريخ الحروب العالمية لعمق التخطيط لها ودقة تنفيذها من قبل كتائب القسّام المدربة تدريباً أقل ما يقال عنه إنه لا يرقى إلى مصاف تدريب الجيوش النظامية.

وقد خططت لها بشكل مدروس وبعناية هيئة أركان ذات عقلية عسكرية واسعة وكفاءة عالية وخبرة طويلة في ميادين القتال تفوق عقليات هيئات أركان جيوش العالم في الراهن والمستقبل.

وهي نادرة التنفيذ فالثغرات يتم تنفيذها عادة في سوح القتال على جبهة أو اكثر من جبهة ميدانية، ولكن كتائب القسام نفذتها داخل مجتمع مدني من مستوطنات أسَّستها حكومة الاحتلال وزودت المستوطنين بمختلف أنواع الأسلحة لقتل الفلسطينيين كما يفعل اليوم إيتما بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي وكانت الغاية منها فرض طوق خانق من الحصار على قطاع غزة منذ العام 2005 إلى اليوم وليست مجمعات سكنية.

إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟

من المعلوم أن الثغرة العسكرية يتحدى فيها جيش الجيش الآخر في الجانب العسكري فقط، وفي مساحة محصورة هي ساحة ميدان القتال، ولكن كتائب القسام (بالثغرة الحمساوية) تحدت وتجاوزت عدة خطوط حمر تحدت فيها كتائب المستوطنين المسلحة وتحدت الاستخبارات الصهيونية وتحدت وحدات جيش الاحتلال وتحدت المخابرات والأقمار الصناعية الأميركية المسخَّرة من قبل أميركا لحراسة الأمن القومي الإسرائيلي وحمايته وكذلك تحدت الأسلاك الألكترونية الشائكة.

واستطاعت هذه الثغرة الحمساوية أن تنفذ إلى العدو في عقر داره المحتلة، وتصيب منه مقتلاً في قتل 1200 من رعاياه وأسر وحجز 240 شخصاً من بينهم مجندين ومجندات وجنرالات في الجيش وجرح أكثر من 4000 عنصر من السكان، وعاد رجال المقاومة غانمين سالمين لم يصبهم أيّ أذى.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

علاوة على ذلك، فالثغرة الحمساوية أعادت للعرب اعتبارهم بشكل عام، وأعادت لمصر هيبتها التي مرغتها إسرائيل بالتراب ولجيشها كرامته التي تم هدرها عبر هزيمته أمام جيش اسرائيل في حرب العام 1973، وطوقت الجيش المصري الثالث من بعد فتح جيشها ثغرة خلف هذا الجيش المصري (بمساعدة الأقمار الصناعية والمخابرات الأميركية) وتم تطويقه بعملية التفاف أحكم الجيش الإسرائيلي طوقها عليه وسميت في حينها "ثغرة الدفر سوار".

والتغرة الحمساوية أنهت ومحقت باقتدار عال خرافة التفوق اللوجستي الإسرائيلي على العرب التي كانت تتبجح به إسرائيل وتتعالى به أميركا، وكذلك أنهت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر والذي تغلب على الجيوش العربية النظامية في ثلاثة حروب واحتل من خلالها أراض من دول عربية مثل الجولان من سوريا وأجبر مصر على تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد محاصرته للجيش المصري الثالث.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وأميركا أفضل من إيران وحماس

ولقد كانت الثغرة الحمساوية ضد مستوطنات غلاف غزة أشد إحكاماً ودقة في التنفيذ وسرعة التحرك لتحقيق الأهداف المطلوبة منها والتى أربكت القيادتين السياسية والعسكرية لإسرائيل وكذلك أخزت الاستخبارات الإسرائيلية.

إنَّ إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأميركا على عدم إيقاف الحرب في غزة مهما استغرقت من وقت وخسائر هو محاولة باسئة ويائسة من الطرفين الأميركي والإسرائيلي وجيشيهما ومرتزقتهما لاستعادة هيبتهما.