خلف أبواب أميركية مغلقة، الكلام كثير اليوم على الحالة الذهنية للرئيس جو بايدن. ربما لم يكن ضروريًا أن نطّلع على تقرير المستشار الخاص الذي وصف بايدن بأنه رجل مسنّ ذاكرته ضعيفة لنعرف أنه على أبواب ما يعرف بالخرف... فهو التقى "الراحل" فرانسوا ميتران قبل أيام، وما زال مقتنعًا بأن "الراحل" هِلموت كول هو المستشار في ألمانيا، وسمّى عبد الفتاح السيسي رئيسًا للمكسيك، وأخيرًا احتار أين يقف خلف ملك الأردن عبد الله الثاني، عن يمينه أم يساره، حتى بدا للعالم كله يسأل نفسه: "أين أنا؟".

حالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذهنية لا تنجو هي الأخرى من التشكيك. وإن كان بايدن ممددًا على أريكة التشريح النفسي اليوم، فقد تمدد عليها بوتين منذ عام 2014. حينها، احتل جيشه شبه جزيرة القرم في شرق أوكرانيا، فوصفه المعارض الروسي بوريس نيمتسوف بأنه "غير متزن عقليًا". قُتل نيمتسوف بالرصاص، وبقي بوتين رئيسًا. بعد سبعة أعوام، ضرب بوتين ضربته المتهورة، واجتاح أوكرانيا في "عملية خاصة". دبّ الرعب في النفوس حين شهر بوتين سيفه النووي بوجه العقوبات التي فرضها عليه الغرب المتحد ضدّه.

منذ تلك اللحظة، صارت حالة بوتين العقلية شغل أجهزة الاستخبارات الشاغل. كثرت التقارير الأميركية والأوروبية المدعّمة بتقارير مختصين يؤكدون أن بوتين لم يصل إلى مرحلة الاختلال العقلي، لكنه يسير في ذلك الاتجاه. بعضهم ردّ التغيّر في حالته إلى عزلة عامين فرضتها جائحة الكوفيد. وثمة من عارض هذه الفرضية. تقول المحللة الروسية آنا بورشفسكايا إن بوتين عقلاني جدًا، لكن على طريقته الخاصة. بتعبير آخر، يبني عقلانيته هذه على مجموعة خاطئة من المعتقدات أو الافتراضات.. على مجموعة من الأوهام، وكأنه مصاب بذهان أحلام اليقظة، فيعيش الحلم ويصدقه ويصير هو الواقع بعينه. وبحسبها، يريد بوتين العودة إلى الماضي، ورسم نهاية مختلفة للحرب الباردة، ليرى "الاتحاد الأميركي" منهارًا خلف جدار برلين.

إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه

ها هو بنيامين نتنياهو مستمر في حربه على غزة، لا يبالي بأكثر من 28 ألف قتيل فلسطيني مدني، ولا بعدد كبير من القتلى والجرحى والمصابين بأمراض نفسية في صفوف جيشه، ولا بمشاعر أهالي الرهائن الإسرائيليين في غزة، ولا بما يريده العالم، ولا بحكم محكمة الجنايات الدولية، ولا بتحذيرات أنطونيو غوتيريش، بل يتمادى في غيّه ويقف بلا حياء ليقول إن الجيش الإسرائيلي هو أكثر جيوش العالم تمسكًا بالأخلاق، علمًا أن الكل متأكد أن هذا التمادي في الحرب مردود إلى أمر واحد: هلع نتنياهو من لحظة يساق فيها مخفورًا إلى قوس المحكمة ليدان بتهم الفساد التي تلاحقه... أتقولون إنَّه في كامل قواه العقلية؟

نتنياهو هذا هدد إيران بضربها بالنووي وكان في نوبة غضب... وقالت تقارير مختلفة إن هذا التهديد ربما تستخدم دليلًا يدعم معلومات متداولة تشير إلى أن نتنياهو يعاني من عصاب مزمن. وإن بحثنا قليلًا في ما تسرّب من وثائق القضاء الإسرائيلي، نجد بنيامين وسارة نتنياهو يعانيان مرضًا نفسيًا تنكسيًا. وبناء عليه، لجأ أحد أعضاء حزب "هناك مستقبل" الذي يتزعمه المعارض يائير لابيد إلى المحكمة في تل أبيب مشككًا في أهلية نتنياهو لتولي منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل.

إقرأ أيضاً: الحرب تمتد إلى لبنان واليمن.. و"الفتن" تأتي من الشرق!

إن كان بايدن ضائعًا أين يقف أو ماذا يفعل، وإن كان ينسى ما يقول ويتعثر على سلم الطائرة، فهذا ليس عيبًا. لا يصلح للزعامة، لكنه لا يقتل أحدًا. وصل أرذل العمر، وربما حان وقت راحته من العمل في الشأن العام. لكن، ماذا نفعل في غيره؟

أخيرًا، ليس بوتين ونتنياهو وحدهما في ميدان الاختلال العقلي، وهما يخدمان هنا على سبيل المثال لا الحصر. وملف العرب المختلين عقليًا دسم جدًا، وقاتل جدًا. فلنؤجّله قليلًا.