تعج وسائل الإعلام المختلفة في شتى أنحاء العالم بأصوات قادة الدول والمحللين السياسيين المنادين بضرورة إيجاد سلام دائم بين طرفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما ينادي به بطبيعة الحال طرفا النزاع أيضاً. لكن لو فكرنا قليلاً، لوجدنا أن إسرائيل، الساعية في حربها على غزة إلى القضاء على الفصائل الفلسطينية في تلك البقعة الصغيرة، لن تستطيع، حتى إن حققت مساعيها وهو أمر شبه مستحيل بالمناسبة، أن تبيد كل من يعاديها من حولها، سواء أكان العداء سراً أو علانية. والمعادون بشكل علني هم الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران في لبنان والعراق وسوريا واليمن، بالإضافة إلى الدولة السورية وعلى رأسها نظام بشار الأسد، التي ما زالت على عدائها لإسرائيل. يضاف إلى ذلك العداء الخفي من الأعداء التقليديين القدامى مثل الأردن ومصر، ممن حتى لو عقدوا اتفاقيات سلام معها، فإنَّ شعوبهم، وقد قاتل آباؤهم وأجدادهم الجنود الإسرائيليين وجهاً لوجه، يضمرون العداء لتلك الدولة. فعن أي سلام نتحدث؟

إقرأ أيضاً: ماذا تريد إيران؟

يعتبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صمام أمان لدول العالم، وذلك بالنسبة إلى معتنقي النظرية المثالية واليوتوبيين، في حين أن حق النقض "الفيتو" يعد أعلى درجة في تعزيز ما يناقض اليوتوبيا. فمثلاً، استخدمت أميركا في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حق النقض ضد مقترح الجزائر لوقف إطلاق النار في غزة، وذلك وسط تنديد روسي وصيني صارخ لهول ما اقترفت أميركا في حق الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين، الذين يقتلون بشكل يومي أمام أعين العالم دون أن يحرك أحد ساكناً، ومن باب الكوميديا السوداء، فإنَّ التنديد الأميركي والبريطاني والفرنسي كان يصدح في أروقة مجلس الأمن قبل بضع سنوات لاستخدام روسيا حقها في النقض أمام أي مقترح لم يكن يصب في صالح نظام الأسد في سوريا، في حين كان يقتل الأبرياء أيضاً في الشوارع أمام أعين الجميع، ولا من يستطيع أن يفعل شيئاً، بصرف النظر لماذا كانوا يقتلون وفي سبيل ماذا ومن، فتلك تعقيدات لن نتطرق إليها في هذا المقال... فعن أي مجلس أمن وعن أي سلام نتحدث؟

إقرأ أيضاً: سياق التاريخ ومصير العرب الحتمي

إنَّ غالبية سكان الأرض اليوم لا يعيشون في سلام دائم، فالمراقب للرؤوس النووية في الدول الخمس الكبرى، بالإضافة إلى باكستان وإسرائيل والهند وكوريا الشمالية، يعلم أنَّ الترسانات النووية لم تُصنع لكي تُلتقط بجانبها الصور التذكارية، بل صُنعت لكي توجه نحو سكان باقي دول العالم، فكما صرح الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيدف قبل أسابيع أنه سيمحو كييف عن وجه الأرض إن لزم الأمر، أي بمعنى آخر أن "روسيا" تأخذ مسألة الحرب مع أوكرانيا من باب ردع الغرب لا غير، لكنها جاهزة لكل أمر، فالأسلحة النووية "مُلقمة" ولا يمنعها أي مانع من ضرب أهم العواصم في العالم. وبالمقابل، فإن حدث أمر كهذا، فلن تقف الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وغيرها مكتوفة الأيدي، ومتى انطلقت تلك الأسلحة النووية من كل حدب وصوب، فإنَّ الدراسات تقول إنَّ الاشعاع النووي لوحده سيلف الكرة الأرضية، أي لن يبقى كائن في العالم لن يطاله أذى... فعن أي سلام نتحدث؟

إقرأ أيضاً: سوناك وترحيل اللاجئين

لا سلام في الأرض، ولا أمن في العالم ، ولا عدل في محاكم العدل، ولا تتمتع القوانين الدولية بالأخلاق الكافية، فمن أعطى حق الفيتو لخمس دول فقط كانت قد انتصرت على دول المحور في الحرب العالمية الثانية، لم يكن يريد أن يحقق المجلس الغاية الأسمى من وجوده، وهي تحقيق الأمن للبشر، بل أراد فقط أن تتمتع الدول أصحاب الفيتو ومن يحالفها بالأمان، إلا أن مساعيه خابت، فدول الفيتو في عدائها لبعضها بعضاً قد أعيت غاية المشرع، فتبدلت النعمة نقمة، فلا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل شيئاً تجاه روسيا في حربها على أوكرانيا، والعكس صحيح، فروسيا عاجزة عن ردع أميركا عنما تريد، والمعسكران الشرقي والغربي ما زالا يتفنان في اقتناص الفرص وكسب الغنائم على حساب دول العالم الأخرى، التي لا تدري أتتلقى الضربة من الأعداء لتحتمي بمجلس الأمن، أم تتلقاها من مجلس الأمن ذاته، فما دامت الدول الاستعمارية القديمة تكيل بمكيالين، وما دامت الدول الأخرى يزداد ضعفها يوماً بعد يوم، فعن أي سلام نتحدث؟