عشیة مسرحیة الانتخابات، وفي الوقت الذي يواصل فيه قادة النظام الإيراني التبجح المستمر بشأن قوة ومتانة الأرضية الفکرية التي يقف نظامهم مستنداً عليها، وبأن أساس قوة النظام ترتکز على هذا المبنى الفکري، وأن تجسد هذا الأمر على أرض الواقع، بحسب تأكيدهم، يکمن في المساجد وحضور أبناء الشعب الايراني إليها، فإنَّ تقريراً إخبارياً تم نشره في"وکالة أنباء الحوزة" التابعة للنظام الإيراني نفسه يؤکد بطلان هذه المزاعم وانقلابها بمقدار 180 درجة!

التقرير المذکور، وتحت عنوان "إحصائيات نشاط المساجد في مدينة طهران لا تليق بهذه المدينة الثورية"، يٶکد فيه رجل الدين أحمد علم الهدى، المقرب من خامنئي، أنَّ "عدد المساجد المغلقة وشبه المغلقة في طهران وباقي أنحاء البلاد لا يتناسب مع نظام الجمهورية الإسلامية"، ويستطرد معترفاً بأنه "في مدينة طهران، وبحسب استطلاع المسؤولين، فإن نسبة وجود رجال الدين كأئمة تظهر رقماً منخفضاً، وهذا ليس مؤشراً جيداً للعاصمة". ويضيف علم الهدى في معرض ذكر إحصائيات المساجد النشطة وشبه النشطة: "15 ألف مسجد شبه نشط و50 ألف مسجد مغلق في مدينة طهران ليست إحصائيات مثيرة للاهتمام ولا تليق بهذه المدينة الثورية".

إن هذه الحقيقة الدامغة تعري النظام الايراني، وتدل على مدى تماديه بالکذب والخداع بخصوص أن الشعب الايراني يقف خلفه من خلال حضوره في المساجد، ولکن يبدو واضحاً بأن الشعب الإيراني، الذي أدرك بوعيه أنَّ النظام يقوم باستغلال حضوره إلى المساجد لأغراض سياسية وإعلامية مشبوهة، صار يعزف عن الحضور إلى هذه المساجد ليثبت للعالم کذب وزيف مزاعم النظام.


مقال رجل الدين أحمد علم الهدى المقرب من خامنئي

لقد سعى هذا النظام، منذ بداياته، إلى استغلال العامل الديني وتوظيفه بالصورة التي تخدم بقاءه واستمراره، وتماديه في استغلال حضور أبناء الشعب الإيراني إلى المساجد وتجييره في سياق لا تربطه بالنوايا الطيبة والحميدة للشعب علاقة، جعل الشعب ينتبه إلى هذا الجانب ويحذر منه، خصوصاً بعد أن کان النظام يستغل حضور الناس للمساجد في المناسبات الدينية المختلفة زاعماً أنه مؤشر على تمتعه بدعم وتأييد الشعب، ولذلك، فإن الشعب طفق ينأى بنفسه عن هذا النظام، وشرع بعدم الحضور في المساجد کي لا يکون أداة في خدمة نظام استبدادي عانى ويعاني من حکمه الظالم الأمرين.

إقرأ أيضاً: ثورة إيران عام 1979... آنذاك والآن

المثير للسخرية والتهکم في اعترافات رجل الدين علم الهدى ربطه بين انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، وعدم حضور الناس إلى المساجد، حيث يقول: "يجب علينا دراسة أعمال الشغب والفتنة التي قام بها العدو العام الماضي حتى نتمكن من إغلاق نفوذ العدو بين شباب وشعب إيران الإسلامية. إنَّ أحد طرق منع تسلل العدو هي تفعيل المساجد"، وهنا لا يعترف رجل الدين المقرب من خامنئي کنظامه بحقيقة أن الشعب، ومن خلال الانتفاضة المذکورة، قد أعلن رفضه للنظام جملة وتفصيلاً، لا سيَّما من حيث استخدامه الحجاب ذريعة لاضطهاد المرأة وقمعها وقتلها وتعذيبها، وهذه الانتفاضة اندلعت أساساً متممة لعدم الحضور الشعبي إلى المساجد وعدم السماح للنظام باستغلال ذلك، وهو الأمر الذي يتخوف النظام کثيراً من التطرق إليه، ويسعى جاهداً لممارسة الکذب والتمويه من أجل التغطية عليه وعدم الاعتراف بأنه قد أفلس فکرياً.

مسجد الضرار: رمز للمقاومة ضد الظلم
تذكرنا هذه الحالة بمسجد الضرار، الذي بناه المنافقون في المدينة المنورة في عهد الرسول محمد. فكما استغل المنافقون مسجد الضرار لإثارة الفتنة والتآمر ضد الإسلام، يستغل النظام الإيراني اليوم بعض المساجد لنشر أفكاره المتطرفة وخدمة مصالحه السياسية للحفاظ على حكمه الشّرير ضد الإسلام الحقيقي المحمدي.

لقد أمر النبي بهدم مسجد الضرار عندما أدرك خطورته على الإسلام. فكان هذا الهدم بمثابة درس قاس للمنافقين، ورسالةً واضحةً بأنّ الإسلام لا يُسامح من يحاولون استغلاله لأغراض سياسية أو دنيوية.

يُدرك الشعب الإيراني اليوم خطورة استغلال النظام الإيراني للمساجد، حيث يُسيطر على البلاد زوراً للحفاظ على حكمه الشریر، ولذلك لجأ الشعب إلى مقاطعة المساجد التي يُسيطر عليها النظام، كنوع من المقاومة الشعبية ضد الظلم والفساد، تماماً مثلما يقاطع الانتخابات المزيفة التي ينظمها النظام اليوم الجمعة.

رسالةٌ للملالي
على الملالي أن يُدركوا أنّ الشعب الإيراني يقظٌ، ولن يُسامحهم على استغلال الدين لأغراض مادية واضطهاد الشعب الإيراني وإثارة الفتنة في المنطقة، خصوصاً ما يجري الآن في غزة. وعليهم أن ينتظروا اليوم الذي سيفعل فيه الشعب الإيراني ما فعله الرسول بمسجد الضرار.