أنا الفرعون الطاغية المجنون؛ أنا قاهر الضعفاء في زمن أمهل الجبناء وقتاً كافياً للاختفاء وراء مال الأثرياء الموعود؛ أنا الظالم الذي تجرد من إنسانيته وتبع الشهوات إلى أقصى الحدود؛ أنا من أغلقت المنافذ والحدود على البشرية لتعجز عن التعارف والتعايش بلا حدود، وتقيم في أراض محدودة عنوانها أنانية "أنت ابن بلدك وجنسيتك وعقيدتك فإياك أن تخرق تقاليد وتراث الحدود؛ أنا من أمر الفيروسات بالزحف وأعطى الضوء الأخضر للطغيان على اللعب على أوتار النفوذ؛ أنا الذي خلخل المفاهيم الكونية للإنسانية وبات قاب قوسين بين تخمة الشراب والأكل، وبين الجوع القاتم القائم على أكل ما تحتاجه البشرية للبقاء في وضع غريب اسمه سر الوجود؛ أنا المحرك للتاريخ والمفسر للظواهر الاجتماعية والاقتصادية التي جابت العالم منذ زمن يلقب بالعهود؛ أنا المسبب للمجاعات والحروب؛ أنا الآمر والناهي في إشعال الحروب؛ أنا الغشاش آكل أموال اليتامى والضعفاء من أبناء الجنس الآدمي الموهوب؛ أنا القادر على زحزحة الواقع بغية تغيير عقليات الوجود؛ أنا ثم أنا...

عذراً وعفواً! أنا لست أنا، أنا منير الحردول مجرد مدرس يلبي واجب نداء تربية أجيال مستقبل الشروق والغروب؛ أنا مجرد إنسان بسيط عاش في أسرة فقيرة، كافح معيلها الأب قدوة السر المحجوب، ومعيلها سنوات تحت الأرض في منجم فحم ببلدة صغيرة تحولت إلى مدينة عمالية وأغلقت لتمسي في ذاكرة اسمها مدينة "جرادة" الفحم الأسود المنبوذ؛ أنا الذي أعشق الكتابة وأخط ليل نهار بيدي لدرجة الإدمان، في زمن لا يعير للكتابة اهتماماً؛ أنا الذي أحب الخير للجميع، وأتعايش مع جميع الأفكار والثقافات وأرفض الإقصاء من أي شخص أو جهة لأسباب تراثية أو عقائدية أو فكرية مهما كانت ترسبات وعي الوجود؛ أنا المحب للخير الميال لشرب القهوة، والمواظبة على قراءة الكتب وتتبع الأحداث وقراءة مقالات الرأي والفكر والفن داخل وخارج الحدود الوهمية التي رسمها البشر لشخصي الذي يؤمن بإنسانية المجد المفعمة بالمحبة والتعايش مع الخلاف والاختلاف إلى أبعد الحدود.

إقرأ أيضاً: شطرنج اللعب بالنار وعالم المستنقع المجهول

أنا منير؛ الميال للصدق وتقبل الصدمات والألم داخلياً، ألم عنوانه المكر والخيانة والتحامل والتعالي رغماً عني، وذلك بحكم أن الفطرة لا تعترف أبداً بطب أدوية المهدئات ومسكنات ألم الروح المليئة بالألغاز الغارقة في وعد منحوت في لوح محفوظ! ذاك اللوح هو سر من خلق إله، خالق لحياة سميت بالوجود!

عفوا، أنا منير الحردول، وفي بعض الأحيان يتوهم الوجدان بصوت خافت، صوت اسمه من أنا ومن أكون... وكفى!