إنَّ تصريحات مَسؤولي "دول العالم الغربيّ" عن الحرب الإجراميّة التي تقوم بها إسرائيل في حقّ الشعب الفلسطينيّ الأعزَل في غزة، تصريحاتٌ تنِمّ على نيةٍ مُبيَّتةٌ، ففي الوقت الذي تُبيدُ فيه إسرائيل الشعب الفلسطينيّ، تقوم هذه الدول تارةً بالتَّنْديد أو بِتحميل إسرائيل ما يجري في قطاع غزة، أو تقوم محكمة العدل الدوليّة بوصف ما تقوم به إسرائيل في غزة "إبادة جماعيّة"، بالإضافة إلى مُناشَدة ما يُسمّى "الأمم المتحدة" لإسرائيل بِوَقْف حربِها على الشعب الفلسطيني عبْر دَعَوات أمينِها العامّ المُتوالية والمُتتاليَة لإسرائيل بالوقف الفوريّ لإطلاق النار في الحرب الدّائرة في غزة والسماح بدخول المُساعدات الإنسانية للشعب، كما نسمَع نِداءات من "المُنظّمات الحقوقيّة" التي تتبع الأمم المُتحدة بوجوب إدخال مُساعدات إنسانيّة للشعب الغَزّاوي الذي يَموت جوعاً وعطَشاً ومَرَضاً، جرّاء الحصار الذي ضرَبَتهُ إسرائيل على القِطاع...

هذه المُناشَدَات والنِّداءات والتّنديدات الفارِغة مِمّا يُسمّى "المُجتمَع الدوليّ" لا تَجِد آذاناً صاغيَة من إسرائيل، ولا تُعيرُها أيَّ اهتمام، لِكوْنِها تُدرِك بأنّها مَحميَة ومُحصَّنة ولا أحدَ يستطيع إجبارَها على وَقْفِ حربِها الإباديّة للشعب الفلسطينيّ الأعزَل البريء، وتعرِف بأنّ لا أحدَ يستطيع أنْ يُجبِرها على تنفيذ أيّ قرارٍ في شأْن إيقاف عُدوانِها على الشعب الفلسطينيّ، ما دامَت ما تُسمّى "الدول العُظمى" إلى جانِبها في كلّ ما تقوم به من جرائم في حقّ الإنسانيّة، وتعلَم علم اليقين بأنّ تصريحات "مَسؤولي العالم" هي فقط عبارة عن تصريحات تضليليّة للشعوب الحُرّة في العالم وما هي إلّا ذرٌّ للرَّماد في العيون ومُحاولة تهدِئة خواطر الشعوب التي تُنَدِّد بالإجرام الإسرائيليّ في غزة عبر تنظيم مُظاهرات ووَقفات احتجاجيّة في معظم عواصِم العالم.

إقرأ أيضاً: رسالة إلى الأمم المتحدة

عالَم اليوم، أو "العالم الغربي" بالخُصوص، الذي يتحدّثُ عن "القانون الدولي" وحقوق الإنسان و"العدالة الاجتماعيّة" وما إلى ذلك من شعارات فارِغة، قد ظَهرَ الآن على حقيقتِه، فهو يتفَرّج على شعبٌ مِن بني البَشر، من أطفال ونساء وشيوخ يُقْتَلُون ويُجرَحون وبِمِئات الآلاف بِدَمٍ بارِد ودون أيّ ذَنْب يُذكَر... عالَمٌ يَدّعي كاذِباً التَّحضُّر والتّمَدُّن والحداثة وما إلى ذلك من الأوصاف العاليَة الرّاقيَةَ والتي لا صِلةَ لها بواقِع أمرِهِ، باتَ اليوْم يقِفُ إلى جانب الظّالِم يُسانِده ويُؤازِرُه في مُمارساتِه اللّاإنسانيّة واللّاأخلاقيّة، عالمٌ لا ضميرَ إنسانيّ لديْه. عالمٌ أشبَه بِوَحيشِ الغابَة يحكُمُه "قانون الغاب"، فَـ"الدول العُظمى"، كما تَصِفُ نفْسَها، هي الأقوى في هذه الغابة، والأقوى يأكُلُ الضعيف حسَب "شريعة الغاب"، وكلّ ما تقوله أميركا والغرب هو الصّواب، وما دون ذلك فهو باطِل وخاطئ.

دول تعتبر أنّ إنسانَها غالٍ وثمين يستحقّ الحياة الكريمة والعيْش الرّغيد وما سواهُ أشبَهُ بالإنسان ولا إنسان لا يستحقّ الحياة لأنّه في الدرجة الثانيّة، حسبَ سُلّم قياسِ الإنسانيّة وفقَ تصنيفِها العُنصريّ البغيض. وقد جاء تأكيد هذا الكلام على لسان وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت في اليوم الثالث من العدوان الهمجيّ والدمويّ على قطاع غزة، حيثُ قال "نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وِفْقًا لذلك".

إقرأ أيضاً: الحرب والسلام

"الدول العُظمى" في عالَمنا اليوم تَسوق الدول والشعوب المستضعَفة كيف تشاء وأنّا تشاء كَقُطعانِ أغنام، تتحكّم في شؤونها الدّاخلية وِفقَ رؤيتها وخُطَطِها السياسيّة، نازِعةً إيّاها كلّ سيادتِها التي هي عِماد وأساس وركيزة الدول، فسيادة الدولة هي عزّّتُها وكرامتُها ومَجْدُها وقوّتها، وفي حال فُقدانها تُصبِح عَبْداً مَأْموراً تأتَمِر بأوامر غيرِها وتنتهي بِنَواهيه لا حرّيةَ لها في الرأي ولا تملك أيّةَ سياسة مُستَقِلّة، وقد اتّضح ذلك جليّاً اليوم من خلال عدم قدرة هذه الدول الخاضعة لنُفوذ "الدول العُظمى" التَّحرّك من أجل إيقاف حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل ضدّ أطفال ونساء وشيوخ غزة. هذه الدول الخانعة توهِمُ شعوبَها الغاضبة بأنّها تُقدِّم دعماً إنسانيّاً لشعب غزة، ومن هذه الدول المَغلوبَة على أمرها مَن تسعى إلى إرضاء أمريكا عبْر مُمارسة ضغوطاتٍ على حركة حماس لإجبارِها على القَبول بِشروط إسرائيل في قضية تَبادُل الأسرى.