ثمة دور سببي لنشاط الإسلام السياسي في الغرب، وهو دور متعلق أساساً بولادة الثورة الإيرانية، ومن دونها كانت هذه الكيانية "الإسلاموية" ستبقى قليلة الفاعلية، بطيئة الأثر، نظراً لعدم وجود "المثلْ" التاريخي والذي بوجوده يصبح محرضاً على الاقتداء به، وبغياب هذا المثلْ، كان سيغلب الجدل على تأثير الفعل في هذه الحركات الإسلاموية، فيتباطأ فيها حتى درجة من السكون.

ولكن ومع حدوث السبب، وبروز نموذج التغيير في إيران، فقد أصبح الإسلام السياسي بشقيه في الشرق عاملاً حاضراً في اللغة والشارع، ولكن عندما بدأ هذا الهجين يتقلص وجوده نسبياً في البلدان العربية بالمقارنة مع الجغرافيا الرافضة لفكرة الولاية بدل الدولة، بدأت عملية إعادة توطين مهمة لهذا النمط الفكري في الغرب، كملاذ آمن نظراً لمساحة التعبير هناك.

وهناك أيضاً حدث التزاوج المصلحي بين شقي الإسلاموية السنية والشيعية، ومع أنه لم يكن زواجاً مذهبياً، ولا فعلياً، ولكن متغيرات السنوات الأخيرة ودخول إيران عامل المواجهة بفعل السعي النووي، أعاد ذلك تشكيل نوع من "اللوبي السياسي السفلي" ليتميز الإسلام السياسي بأنه صنع لوبي من الطبقة العامة، وسيكون له تأثير قد يفوق أكبر لوبي سياسي للتجمعات المهاجرة في الغرب.

ثم ليتحول لاحقاً هذا اللوبي في الغرب، إلى شريك غير مباشر لليمين الأوروبي، الذي ما كان ليرى النور دون مبرر يخلط الأوراق والأسئلة، وهنا يأتي اللوبي الإسلاموي، والذي يسعى نحو إحداث فجوة بين الشرق والغرب ظناً منه أن ذلك يدفع صناديق الانتخابات في اوروبا نحو اليمين، تماماً كما يفعل الروس عبر وسائل عديدة، ما يعنيه هذا الأمر أن المشترك بين الروس والإسلامويين هو الحلم بصعود اليمين في الغرب، ويتوهمون أن هذا الصعود سيجعل اليمين في الغرب يقترب من تقليل مساحة الديموقراطية هناك، وبالتالي سيعمل على التأثير على سياسات الدول الغربية نحو المستقبل. ما يعني أن المشترك لدى الروس وإيران والإسلام السياسي هو البحث عن وسائل لقتل الديموقراطية في الغرب وهزيمتها باعتبارها سرّ قوته، وإذا كان لدعاة القيصرية الروسية الجدد قلقهم من الديموقراطية على مستقبلهم، فإنه من الغريب أن يتحالف الاسلام السياسي السني ضد الديموقراطية في الغرب وهو الذي كان يدعي أنه ضحية الديموقراطية والحريات في بلاده.

ومن الغريب فعلاً أنه في مساحات الديموقراطية الغربية يخوض الإسلامويون حرباً ضد هذه الديموقراطية، ما يكشف الوجه الحقيقي للإسلام السياسي أنه عدو حقيقي للديموقراطية في بلاده وعدو لها في الغرب، لأنَّ الكينونة الاقصائية التي يرتكز عليها تذوب في مساحات حرية الرأي.

اليوم، ليس بالضرورة أن يكون هناك 11 أيلول (سبتمبر) جديد عنيف يسعى إليه الإسلام السياسي في الغرب، لأنه وهو الذي قد تربى في ظروف استثنائية، فقد بات يمكن للإسلام السياسي القيام "بــ11 ايلول بارد" من خلال لعبة السموم السياسية نسبياً، ولكنه لا يقل خطورة عن 11 أيلول (سبتمبر) السابق العنيف والمؤلم.

لا نستهين بالتظاهرات التي خرجت عن دورها ورسالتها الديموقراطية في الغرب، فهناك فرق بين احتجاج حضاري، واحتجاج من نوع يثير أبعاداً تتجاوز الهدف، نحو تعبئة سياسية دينية مذهبية وغيرها، وهدفها استعراض القوى في الغرب لا توصيل الرسالة الإنسانية، فمثل هذا العمل، قد تجده في ألوان تتجاوز رسالة التظاهرات، نحو قطع الطرقات بوسائل شتى، أو إقامة الصلوات الجماعية في الطرق، وهو ما يتنافى مع قيمة الدين، أو عمل اللطميات في الشوارع، ما يخلق أسئلة لدى المواطن الأوروبي وفي عموم الغرب، والذي بات يرى شارعه يتغير بلون غير معهود، مما يعزز رسالة اليمين في الدول الغربية، ما يعني أن الإسلام السياسي بشقيه بات خطراً على الموطن الجديد كما كان في بلاده الأصلية.

رسالة اللوبي الإسلاموي اليوم في الغرب واحدة، وهي موجهه إلى بلاده الأصلية، ومفادها، ما لم تمنحونا الإمساك برقابكم فسوف نستحضر لكم كل العداوات القديمة ونجلب لكم كل جيوش الأرض.