مهما کان الخطر الخارجي بالنسبة إلى الدول کبيراً ومخيفاً، فهو ليس بمستوى الخطر الذي يتسلل عنوة إلى داخلها ويسرع العبث بمقوماتها ورکائزها، بصورة بطيئة لکن بالغة التأثير. أما منبع خطورته فيتسم بأنه ليست کالخطر الخارجي الذي تعلم من أين يأتي وتستعد للتصدي له، إذ هکذا خطر أشبه بالذي يقوم بالحفر تحت بناء من دون أن يعلم صاحبه، حتى ينهار البناء فجأة!
في الأمثال والحکم المؤثرة، ورد إنهم سألوا الشجرة عن سر قوة الفأس، فأجابت لأن مقبضه من خشبي! وهذا حقاً ما يحدث مع الخطر الداخلي المحدق بالبلدان، إذ أن مادته وأساسه عملاء باعوا أنفسهم وضمائرهم لقوة دخيلة على أوطانهم، وعندما نطرح موضوع أذرع النظام الايراني في المنطقة والخطر والتهديد الذي تشکله على البلدان المتواجدة فيها، فإننا نجد أنفسنا أمام موضوع العمالة والتبعية المفرطة للنظام الإيراني.
استغلال النظام الايراني للعامل الديني، وبصورة خاصة في بعده الطائفي المثير للفتن والانقسامات والاختلافات، کان ولا يزال السبب الأهم في تمکنه من التأثير على الأحداث والتطورات وجعلها تسير باتجاه لا يخدم أهدافه ومخططاته فحسب، بل وحتى نهجه المشبوه الذي يهدف إلى تحقيق مشروع الخميني في المنطقة بجعل دولها تابعة للنظام الإيراني ضمن حکومة دينية تسعى من أجل إرجاع إيران وبلدان المنطقة إلى العصور الوسطى.
التهديدات المختلفة التي أحدقت ببلدان المنطقة على مر العصور، لم يصل أي منها إلى حد ومستوى التهديد الذي شکله ويشکله النظام الإيراني بزرعه بؤراً سرطانية في هذه البلدان، وجعلها بمثابة أمر واقع يفرض نفسه ومهمته وعمله الاساسي هو إنهاك هذه البلدان وإضعافها وسلبها قواها من أجل جعلها في النتيجة مسلوبة القوة والإرادة وإخضاعها عنوة لنفوذ وهيمنة النظام الإيراني.
الخطورة الاستثنائية وغير المسبوقة التي تمثلها أذرع النظام الايراني في بلدان المنطقة، لا يمکن وصفها ومقارنتها بالخطورة والتهديدات السابقة التي مرت على بلدان المنطقة، ذلك إن هذا الخطر بالذات أشبه بالمرض العضال الذي ينفع فيه علاج ويتطلب الاستئصال التام. لکن وجه المشکلة أن هذه الأذرع العميلة قام النظام بإنشائها وزرعها في ظل ظروف وأوضاع حرجة، ولهذه الأذرع تأثير کبير على الحکومات القائمة في بلدان المنطقة، لاسيما أنها بذاتها تشارك فيها، ومن هنا فإن هذه الأذرع تشکل التهديد الأهم والأخطر لأمن المنطقة ومستقبلها، لأنها ببساطة تتواجد في عمق هذه الدول، بل يمکن القول إنها تشبه الدولة العميقة فيها.
إقرأ أيضاً: النظام الإيراني ومواجهة الحقيقة
والیوم، حیث توشك حرب غزة أن تنهي شهرها السابع بکل ما حملت وتحمل للشعب الفلسطیني من الضحایا والویلات والخراب الذي طال معظم قطاع غزة، یظهر مشروع الإنقسام الفلسطیني المشؤوم من جدید بصفته أکبر نکبة جربها هذا الشعب بجل تداعیاته وامتدادته حتی یومنا هذا... وکیف وجد هذا المشروع اللئیم وما هي الجهة الرئیسیة التي کانت وراء التخطیط والتطبیق له ثم ادامته لتصیب شعب فلسطین نکبة بعد نکبة؟ إنه نظام الملالي الحاکم في إیران، الذي وفر الأجواء لأقصی الیمین الإسرائیلي کی یحذو حذوه لترسیخ الانقسام، لأن المستفيد من انقسام الصف الفلسطیني الوطني لیس سوی أعداء الصهاینة والملالي حسبما اعترفوا بذلك أکثر من مرة.
إقرأ أيضاً: خامنئي بين سندان الأزمة ومطرقة الثورة
التحذير من الخطورة البالغة لهذه الأذرع ومن يقف خلفها وصولاً إلى الدور الذي يقوم به النظام الإيراني من أجل تنفيذ مشروع الخميني في المنطقة، صدر وما زال يصدر عن منظمة مجاهدي خلق، التي أکدت على أساس من المعلومات الموثقة المستقاة من داخل النظام الإيراني، أن هذه الأذرع تشکل أکبر خطر وتهديد لأمن وسلامة بلدان المنطقة، ومن دون العمل للتصدي لها والحد منها، فإن الأمن والسلام الدوليين سيتهددان من جراء ذلك، ولعل ما يجري في غزة من حرب تدميرية يمثل نموذجاً واضحاً على ذلك.
التعليقات