كان من المفروض على العرب والمسلمين ألّا يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الإبادة الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ في غزة، مِن قتل وجرح للأطفال والنساء والشيوخ وبالآلاف المُؤلّفة وتهديم للبنية التحتية للقطاع وتخريب لجميع مقوّمات الحياة فيها.

من اللّازم ألّا تَنساق الحكومات العربية والإسلامية وراء السياسة الأميركيّة، الهادِفة إلى إبادة الشعب الفلسطينيّ، وما تبقّى منه حيّاً يتِمُّ تهجيره خارج وطنه. وعلى الحكومات العربيّة والإسلاميّة اتخاذ جميع التدابير والإجراءات الصارمة لوقف هذه الإبادة الجماعية للأبرياء وهذه المَجازر المروعة التي يندى لها الجبين، وذلك من خلال الضغط على أميركا والغرب بسحب سفرائها من هذه الدول ووقْف تصدير الموادّ البتروليّة إليها، وهذا من أبسط أوراق الضغط التي تمتلكها. للإشارة، فهناك بعض الدول العربيّة التي دخلت في مَتاهَة الوساطات بين إسرائيل وحماس من أجل تبادُل الأسرى، فالوساطات والمفاوضات تكون في حالة وُقوع نِزاع بين دولة وأخرى، وليس بين المُقاومة و(دولة) مُحتلَّة لأراضيها، فهذه الدول الوسيطة تعتبر نفسَها دولاً مُحايِدة لا علاقةَ لها بالقضية الفلسطينيّة في حين أنّ جميع الدول العربيّة والإسلاميّة مَعنيَةٌ بالقضية، ومن المفروض عليها ألّا تتخذ موقِف الحياد في قضية تهمّ الأمة الإسلامية والعربية، فالجميع يُدرك أنّ الكيان الإسرائيلي يهدف إلى وضع نهاية للقضية الفلسطينية بهذه الطريقة، طريقة القتل والتشريد.

لقد كانت الدول العربية يوماً تتغنّى بما كانت تُسمّيه "قضيتها الأولى". تتغنّى بأولى القبلتيْن وثالث الحرميْن الشريفيْن واليوم، قد سَنحت لها الفرصة لِطمْرِ هزيمة 1967 (النكسة) النكراء وتصحيح مسارها من أجل استرجاع القدس والأقصى، وذلك من خلال مُسانَدتِها للفصائل المُقاوِمة بالمال والعتاد، ولو بطريقةٍ سرّيةٍ، وفتح المعابر لِمرور كل مُستلْزمات الحياة للشعب الفلسطينيّ الصّامِد المُرابِط في الأراضي المُقدّسة.

إقرأ أيضاً: قرار مُجحف في حقّ الفلسطينيّين

أما "الوسيط المصري" و"فاعل خير"، فقد سمح لإسرائيل بإغلاق معبر رفح، المُتنفّس الوحيد لأهالي غزة، منه تدخُل كل مستلْزمات الحياة لِلأهالي. وبذلك ساهمت وتساهم في الحصار المَضروب على قطاع غزة الذي يفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة الإنسانية، لا غذاء ولا وقود ولا دواء، في ظل هذا الحصار الخانق الذي ضربتهُ أميركا وإسرائيل على غزة. وسماح "الوسيط" بتمركز القوات الإسرائيليّة في مدينة رفح وبسْط سيطرتها على محور فلاديفيا (محور صلاح الدين)، لِتَنطلق منه عمليات جديدة للإجرام الصهيوني ومذابح بَشعة في حق الفلسطينيّين الأبرياء، في ظلّ هذا الوضع أصبحت إسرائيل تُحكِم سيطرتها على كلّ المَنافذ المهمة التي يُمكن استغلالها لإنقاذ ما تبقّى من الفلسطينيّين في غزة.

إقرأ أيضاً: الفساد المُتجَذِّرٌ في دول العالَم الثالِث

ويصدُق على العرب والمسلمين اليوم قول الشاعر الأندلسي أبي البقاء الروندي:

يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم
أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم
وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم
عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ
لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ