قبل عام 2012، كانت حركة حماس في حضن الجبهة السورية، ومع قيام الثورة هناك، اتخذت الحركة موقفًا مناهضًا للنظام السوري وأيّدت الثورة وجبهة المعارضة؛ كان هذا بمثابة المسمار الأخير في نعش حماس في سوريا.

الموقف «الحمساوي» دفع النظام السوري لإغلاق مكتب حماس في دمشق ومناطق عدة، إلى أن جاءت زيارة الشيخ حمد بن خليفة، أمير قطر، في عام 2012. كانت هذه الزيارة أول زيارة لأحد الزعماء العرب إلى قطاع غزة بعد سيطرة حماس عليه في عام 2007.

كانت الزيارة مثمرة لحركة حماس، التي أنشأت مكتبًا سياسيًا في الدوحة، أقام فيه كبار أعضاء الحركة بشكل دائم، وما زال يواصل عملياته إلى اليوم.

على مدى سنوات، قدمت قطر لحماس الدعم المالي، وتمكنت في المقابل من الضغط على حماس لمغادرة دمشق وإحداث شرخ في العلاقة مع النظام السوري في السنوات الأولى من الثورة السورية. وتمكنت من تنفيذ ذلك بالرغم من انعكاسات هذا القرار على علاقة حماس بإيران، الداعم القوي لنظام الأسد. وشكل الدعم القطري على مدار سنوات طويلة فرصة لحماس لإطالة حكمها في غزة.

اتّبعت قطر النهج نفسه مع حركة طالبان الأفغانية، عندما دعتها لفتح مكتب سياسي لها في الدوحة عام 2013، بمباركة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما. وهذا ما سمح بترتيب محادثات بين واشنطن وطالبان قبيل الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021.

ومع توسع قوة حماس عسكريًا، كانت واشنطن قلقة من قوة الحركة، التي دخلت في حروب عسكرية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات، كان آخرها هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، الذي أدى إلى دمار قطاع غزة بشكل شبه كامل، فضلاً عن سقوط آلاف الشهداء والجرحى.

الحرب الدائرة في قطاع غزة بين حماس والجيش الإسرائيلي، وفشل جهود الوساطة، بالإضافة إلى مقترح الرئيس الأمريكي بايدن، دفع الولايات المتحدة لمحاولة تضييق الخناق على حماس، والضغط عليها لقبول المقترح الأمريكي.

وأشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن قطر تمارس ضغوطًا هائلة على حماس. وقد تستمر الدوحة في استضافة مكتب حماس لكنها تحتاج إلى تحديد مسافة ما بين قيادة الحركة وصناع القرار القطريين.

الوضع الراهن بين حماس وإسرائيل، يجعل قطر تفكر جيدًا في علاقتها بحماس، خصوصًا في ظل الغضب الأمريكي من الحركة وما قامت به في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، فلن تخسر الدوحة واشنطن.

وقد تقوم قطر ببعض الخطوات لإعادة تقييم علاقتها بحماس، ومع الوقت النأي بنفسها عن هذه العلاقة. لكنها تشير إلى أن الأمر يتطلب أن يكون لدى المجتمع الدولي والولايات المتحدة خطة لمعالجة مسألة تقرير الفلسطينيين مصيرهم.

وكثرت التكهنات حول ما إذا كانت حماس تدرس نقل مكتبها السياسي من قطر إلى بلد آخر، أو ما إذا كانت قطر تعتزم ترحيل قادة حماس وإغلاق المكتب.

ورغم نفي كل من قطر وحماس دقة تلك التكهنات، إلا أن المؤكد هو وجود استياء وإحباط قطري من بعض الأطراف وتعرض الدوحة لضغوط، مما دفعها إلى الإعلان عن أنها بصدد تقييم وساطتها بين حماس وإسرائيل.

تعرضت قطر لانتقادات إسرائيلية متكررة، ولا سيما من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قال إنها تمول حماس، وطالبها بالضغط على الحركة للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين. ورأت قطر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كمحاولة للمماطلة وإطالة أمد الحرب، مؤكدة التزامها بجهود الوساطة وإنهاء الأزمة.

إقرأ أيضاً: مقترح حماس.. هزيمة أم مناورة؟

وأعربت السفارة القطرية في واشنطن عن استيائها لتصريحات أدلى بها أحد أعضاء الكونغرس، والتي طالب فيها بإعادة تقييم الولايات المتحدة لعلاقاتها مع قطر إذا لم تمارس ضغوطا على حماس، وتهددها بقطع التمويل أو إنهاء استضافتها لقادة الحركة.

ويبدو أن الضغوط التي تتعرض لها حماس في قطر أخذت منعطفًا جديًا، مما دفع الحركة للتفكير في مغادرة قطر. ودار حديث بين الزعيم السياسي للحركة إسماعيل هنية، والمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، تناول تلقي الحركة عرضًا للانتقال إلى تركيا، قبل اتخاذ قرار بشأن العراق.

ولا يوجد إجماع بين الجماعات السياسية العراقية حول انتقال حماس إلى بغداد. ويخشى البعض، وخاصة الأكراد وبعض السنة، من أن يؤدي ذلك إلى تعميق الخلافات مع الولايات المتحدة. ولكن على الرغم من عدم وجود توافق في الآراء، فإن قرار الحكومة باستضافة حماس لن يتم التراجع عنه.

إقرأ أيضاً: لبنان ضحية حزب الله

وترددت أنباء عن أن حماس فتحت مكتبًا سياسيًا في بغداد، وهناك خطط للجماعة لفتح مكتب إعلامي في المدينة خلال الأسابيع المقبلة. ولم تستجب الحكومة العراقية لطلبات التعليق.

وإذا انتقل زعماء حماس السياسيون إلى العراق، فإن ذلك سيخلق المزيد من التحديات أمام مفاوضات وقف إطلاق النار، ومن المحتمل أن يكون لقطر تأثير أقل على الجماعة المسلحة.

ونفى مسؤولون عراقيون الموافقة على استضافة حركة حماس في بغداد، وهو ما يعكس حجم التوتر والتخبط الذي تمر به حماس، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل اقتربت نهاية حركة حماس؟