لا أحد في هذا العالم الغريب بطبعه يمكنه أن يتنبأ بمستقبل البشرية التي تأخذ في الضمور والعناد المستعصي على الفهم! كيف لا، وجل دول العالم تتبجح بكلمات ومفاهيم حقوقية تمجد جبروت أنانية الإنسان، بل وترسم معالم خبيثة تخالف تماماً كل القيم الإنسانية التي تعد منبعاً لاستمرارية الحياة على وجه الأرض. فما الصراعات والحروب، ونسج التحالفات، ونهج سياسات قائمة على استعباد الأفراد والجماعات والدول، بعناوين متناقضة مع المساواة في الحياة الهادئة، من قبيل التخلف والتقدم، الغرب والشرق، الدول النامية، ودول العالم الثالث، والدول الصاعدة والمتقدمة، إلا دليلاً على فكر مجهول يدفع باتجاه خنق الإبداع القائم على العيش المشترك بين الشعوب والثقافات والحضارات، بعيداً كل البعد عن سياج الحدود والقوميات والأعراق التي خلفت بأنانيتها الوهمية في السمو وإبراز الذات ملايين الضحايا عبر العصور. فلم تخلُ حضارة من الحضارات من الاقتتال والدمار والخراب بفعل الرغبة الجامحة في السيطرة وحب الوصول إلى مراكز القرار، ولو كان ذلك على حساب دماء أقرب الأقربين من أبناء وزوجات وآباء. والتاريخ شاهد على ما نقول.

هذا دون الحديث عن خطر داهم يتم تجاهله عمداً بأنانية مفرطة، هو العيش وكفى! فما التغير المناخي، وتقلص سمك طبقة الأوزون، والتغيرات العميقة لباطن الأرض، وظهور خلل بنيوي في التوازن البيولوجي، إلا دليل آخر على أن عهد المجهول قد بدأ فعلاً! لقد بدأ في ظل غفلة إنسان جاهل يسعى لتلبية رغباته البهيمية ليس إلا. وما جنوح البشر للملاهي، وتطوير الذكاء الاصطناعي، والاهتمام بالاستنساخ وتغيير الجنس البشري حسب الميول والأوهام الغريزية، مع ضرب مفهوم الأسرة، ونمو الكراهية، وتزايد حالات الإجرام، وزحف العنصرية، ومحاولة التحكم في رقاب الناس بأشكال مختلفة، إلا دليل على أننا حقاً نسير في اتجاه صوب المجهول وكفى!