إعلان ما يسمى سلطة أراضي إسرائيل عن الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في حي الشيخ جراح في مدينة القدس، وتحويل الموقع إلى بؤرة استيطانية تضم 1,440 وحدة سكنية. ويعد هذا الاستيلاء تعدياً على الأمم المتحدة ومنظماتها وانتهاكاً لميثاقها، ويشكل سابقة خطيرة بأن تتخذ دولة تتمتع بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة قراراً ضد منظمة أممية أنشأتها بقرار من الجمعية العامة، مما يستوجب تحركاً عربياً ودولياً لوقف الاستهتار الإسرائيلي بالمنظومة الأممية.
القرار يأتي في إطار الهجمات السياسية التي تقودها حكومة الاحتلال الإسرائيلي الهمجية المتطرفة ضد الأونروا، وفي أعقاب مصادقة ما يسمى بلجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست على مشروع قانون يهدف إلى وقف أنشطة الأونروا ورفع الحصانة عنها وقطع الاتصالات معها، وهو ما سيطرح للتصويت النهائي في القراءة الثانية والثالثة قبل نهاية الشهر الجاري.
وما من شك بأن غياب الردع الأممي لحكومة الاحتلال يدفعها إلى الاستهتار بالمنظومة الدولية والمضي في جرائمها وانتهاكها للقانون الدولي. إن السلطات الإسرائيلية قررت مصادرة الأرض المقام عليها مقر الأونروا، وهي منظمة شرعية أنشأتها الأمم المتحدة ولها حصانة دبلوماسية، تحت ادعاء أن الأرض المستولى عليها تعود للصندوق الوطني اليهودي. لتحل محلها بؤرة استيطانية غير قانونية من منظور القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2334.
وتشير الحقائق المتعلقة بقرار المصادرة إلى وجود وثائق تثبت أكاذيب ما يسمى سلطة أراضي إسرائيل لدى الأونروا، وتؤكد أن الأرض المقام عليها مقر الأونروا مستأجرة لصالح الأونروا حسب الوثيقة الموقعة بين الأردن والأونروا في تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1952، وهناك وثائق وملحقات من عام 1970. كما أن الوثائق لدى اليونسكو والاتفاقية سارية المفعول حتى توقف الأونروا خدماتها وإنهاء عملها، وهذا يتم فقط في حال وجود حل سياسي لقضية اللاجئين.
إقرأ أيضاً: لا حل دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة
القرار الإسرائيلي غير قانوني وينتهك بشكل سافر قرارات الجمعية العامة ذات الصلة بحصانات وحماية المنظمات الدولية، بما فيها قرار تأسيس الأونروا رقم 302 وفق المادة (17)، واتفاقية 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن رقم 2730 الذي اعتمد في 24 أيار (مايو) 2024، والذي يلزم الدول باحترام وحماية مؤسسات الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني. ويتعارض القرار أيضاً مع قرار محكمة العدل الدولية وفتواها القانونية الصادرة في تاريخ 19 تموز (يوليو) 2024، التي أكدت أنه لا سيادة للاحتلال على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.
القرار هو امتداد للإجراءات الإسرائيلية غير القانونية التي تهدف إلى تقويض وجود "الأونروا" وولايتها وأنشطتها ودورها كمنظمة أممية، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة. كل الإجراءات غير القانونية، بما فيها مناقشة مشاريع قوانين باطلة لنزع الشرعية عن الوكالة، والاستهداف الممنهج لمنشآتها، وقتل وإصابة مئات العاملين والنازحين في المدارس التابعة لها، تشكل في مجملها انتهاكات للقانون الدولي وجرائم تستدعي التحقيق والمساءلة.
إقرأ أيضاً: العجز الدولي سيد الموقف بعد عدوان بيروت
لا بد من التأكيد على أهمية وكالة الأونروا كعامل استقرار في المنطقة، وعلى دورها الحيوي في تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين. يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه إلزام الاحتلال باحترام التفويض الممنوح لوكالة الأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتوفير الحماية لمنشآتها وموظفيها والنازحين في مدارسها، ووقف جميع الاعتداءات والإجراءات غير القانونية ضدها.
التعليقات