في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، أُجريت انتخابات وطنية في إقليم كردستان بمشاركة اثني عشر كيانًا سياسيًا وبعض المرشحين المستقلين. كانت هذه الانتخابات بمثابة نقطة تحول بارزة في تاريخ الإقليم، حيث جاءت في وقت حاسم لملء الفراغ الذي خلفه قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء عدد من قرارات حكومة وبرلمان إقليم كردستان. وسط توقعات كبيرة بأن هذه الانتخابات ستقود إلى تغييرات جوهرية في النظام السياسي والإداري للإقليم، شهدت نسبة مشاركة بلغت حوالى 72 بالمئة من سكان الإقليم، مما عكس بوضوح الرغبة العارمة في إحداث التغيير والإصلاح.

مفارقة نسبة المشاركة والنتائج المتباينة
رغم الإقبال الكبير على الانتخابات، لم تأتِ النتائج بما يتناسب مع تطلعات الجماهير، ما خلق نوعًا من المفارقة بين نسبة المشاركة المرتفعة والنتائج النهائية. حيث فسرت معظم التحليلات أن نسبة المشاركة العالية كانت تعبيرًا عن رفض الجماهير للأحزاب الحاكمة ورغبتها في التغيير، ولكن النتائج لم تعكس هذه الرغبة. بدلاً من معاقبة الأحزاب الحاكمة على فشلها في تقديم الخدمات أو حماية سيادة الإقليم، حصلت هذه الأحزاب على دعم شعبي واسع، مما أثار الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية. هذه المفارقة دفعت العديد من المحللين إلى التساؤل: كيف يمكن أن تكون نسبة المشاركة مرتفعة بعد سنوات من سوء الإدارة والاحتجاجات المستمرة؟ هل يعكس ذلك وعيًا كاملًا من الشعب بواقعه السياسي؟ أم أن هناك تلاعبًا بالنتائج؟

التلاعب السياسي بين الشك والواقع
قبل الانتخابات بفترة قصيرة، كانت الأحزاب الحاكمة في موقف ضعيف للغاية. فشلها في إدارة الإقليم كان واضحًا، ومع ذلك، وبعد الانتخابات، حصلت على مئات الآلاف من الأصوات. في المقابل، كانت هناك توقعات بأن القوى المعارضة، مثل الجبهة الشعبية (جماعة لاهور وجمعية العدالة (علي بابیر) وهلوێست (علی حەمە صالح)، ستحقق نتائج أفضل بكثير، لكنها حصلت على عدد مقاعد أقل بكثير من المتوقع. هذا التحول المفاجئ أثار علامات استفهام حول مدى نزاهة الانتخابات، وهل كانت تعكس إرادة الشعب بالفعل، أم أن نتائجها تم التلاعب بها بشكل ما. بالنظر إلى هذه النتائج، يمكن القول إنَّ الانتخابات لم تُسهم في تغيير الواقع السياسي للإقليم بقدر ما حافظت على الوضع الراهن لأحزاب السلطة. هذا الوضع الذي تم تفسيره على أنه نتيجة لأداء سيئ للأحزاب الحاكمة، تم تفسيره أيضًا على أنه جزء من لعبة أكبر تدور في الإقليم الشرق الأوسط.

التأثيرات الجيوسياسية: من يتحكم في اللعبة
بقاء الحزبين الحاكمين في السلطة وظهور حزب الجيل الجديد كانا مرتبطين بالتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها الشرق الأوسط. فالمنطقة تعيش حالة من الصراع المستمر، مما يجعل إقليم كردستان جزءًا من هذه اللعبة الكبرى. القوى الدولية والإقليمية تدرك أن أي تغيير في الواقع السياسي للإقليم يمكن أن ينعكس على مصالحها، ولذلك قد يكون هناك دور لهذه القوى في تشكيل نتائج الانتخابات بما يتناسب مع استراتيجياتها. التدخلات الإقليمية والدولية غالبًا ما تكون غير مرئية بشكل مباشر، ولكنها تؤثر بشكل كبير على مسار السياسة الداخلية. قد يكون الهدف من الحفاظ على الوضع الراهن هو ضمان استقرار الإقليم بما يخدم هذه القوى، أو على الأقل تأجيل أي تغييرات قد تؤثر على التوازنات في المنطقة.

الحفاظ على الوضع الراهن: هل هو مصلحة شعبية أم سياسية
في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تكون الانتخابات وسيلة للتعبير عن احتجاج الشعب على سوء إدارة الأحزاب الحاكمة، تحولت النتيجة إلى تكريس للواقع السياسي الموجود. هذا الأمر يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الانتخابات وسيلة فعالة للتغيير، أم أنها باتت مجرد أداة لتحريك المصالح السياسية للأطراف الإقليمية والدولية. بقاء الحزبين الحاكمين في السلطة، مع تصاعد نفوذ حزب الجيل الجديد، يعزز الفكرة بأن القوى الإقليمية والدولية نجحت في إدارة هذه اللعبة لصالحها. فأي تغيير حقيقي في إقليم كردستان قد يكون قريبًا من تحقيق الإرادة الشعبية، ولكنه في الوقت نفسه يحمل في طياته مخاطر على المصالح الدولية والإقليمية التي تفضل الحفاظ على الوضع القائم.

الخاتمة
ما حدث في انتخابات إقليم كردستان عام 2024 يبرز كحالة خاصة في المشهد السياسي الكردي والإقليمي. وبالرغم من أن الانتخابات كانت فرصة للتغيير، إلا أن النتائج أظهرت أن اللعبة السياسية قد تم التحكم بها من قبل قوى داخلية وخارجية. فالتلاعب بالنتائج واللعب على وتر المصالح الإقليمية والدولية جعل من الانتخابات وسيلة لضمان استمرار نفوذ الأحزاب الحاكمة، مما يعزز فكرة أن السياسة في إقليم كردستان أصبحت ساحة جديدة للصراعات الجيوسياسية. بهذه الصياغة، قدمنا تحليلًا أعمق للعوامل السياسية والجيوسياسية التي تحكمت في الانتخابات ونتائجها، مع محاولة توضيح كيف يمكن أن تكون نتائج الانتخابات انعكاسًا للصراعات الإقليميَّة والدوليَّة.