بعد سقوط النظام السوري في الثامن من شهر كانون الأول (ديسمبر) العام الفائت وفرار الرئيس بشار الأسد، دخلت البلاد في مرحلة جديدة وحدثت تغييرات جذرية في خارطة السيطرة. حيث سيطرت إدارة العمليات العسكرية بقيادة "هيئة تحرير الشام" على معظم الأراضي والمساحات التي كانت تقع تحت سيطرة حكومة دمشق سابقاً، ما عدا مناطق الجنوب السوري التي تقع تحت سيطرة "غرفة عمليات الجنوب"، والمحافظات التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرق سوريا. فمنذ سقوط النظام إلى الوقت الحالي، تشهد البلاد اعتداءات وانتهاكات في مناطق متفرقة في سوريا.

الانتهاكات والاعتداءات بحق أبناء الطائفة العلوية
أحداثٌ كثيرةٌ حصلت، واللافت للنظر هي الانتهاكات التي تحدث في محافظتي اللاذقية وطرطوس اللتين يقطنهما الأغلبية من أبناء الطائفة العلوية، وهي الطائفة التي ينحدر منها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. تزامن سيطرة إدارة العمليات العسكرية مع الاعتداءات المتكررة على أبناء تلك الطائفة من قبل عناصر الإدارة، بحجة أنهم كانوا عناصر تابعة للنظام البائد وبأنهم الآن يفرون من العدالة.

تقوم أفراد الأجهزة الأمنية والعناصر المسلحة بارتكاب الانتهاكات والتجاوزات بحق المدنيين من أبناء تلك الطائفة، وأدى ذلك إلى مقتل الكثير منهم بدون أية تهمة تُذكر وحتى بدون أية محاكمات تُذكر.

الأحداث الأخيرة في محافظات الساحل السوري
تم اغتيال ثلاثة من كبار رجال الدين من الطائفة العلوية على طريق طرطوس - دمشق على يد مجهولين يوم السابع من شهر كانون الثاني (يناير)، وذكرت بعض المصادر أن الثلاثة قتلوا برصاص مباشر استهدف السيارة التي كانوا يستقلونها، وهم رئيس المبادرة الوطنية للمصالحة الشيخ جابر محمود عيسى، والشيخ هيثم معلق، والشيخ محمد وطفة. فيما لا تزال دوافع تلك العملية غامضة حتى الآن.

وفي الرابع عشر من الشهر الجاري، حدثت اشتباكات بين مجموعات مسلحة من أبناء الطائفة العلوية وعناصر الأمن التابعة لإدارة العمليات العسكرية في مدينة جبلة. أدى ذلك إلى مقتل عناصر من الطرفين ومقتل متزعم المجموعة، حسب رواية مدير إدارة الأمن العام في اللاذقية.

وجهاء الطائفة العلوية يطالبون بحماية فرنسية
أصدر أحد ممثلي الطائفة العلوية في سوريا المدعو صالح منصور، بداية الأسبوع الجاري وخلال تشييع أحد ضحايا الخطف والقتل في ريف محافظة اللاذقية، بياناً قال فيه إنهم سيتقدمون بوثيقة تحمل تواقيع الملايين من أبناء الطائفة إلى الأمم المتحدة لطلب الحماية من الحكومة الفرنسية لضمان حقوقهم وأمن وأمان طائفتهم، إذا استمر قتل أبناء الطائفة بسبب انتمائهم وفي حال استمرار الانفلات الأمني في محافظات الساحل السوري. وأشار أيضاً إلى أنه سيتواصل مع كل يد تمد إليه من خارج سوريا لدعم هذه الخطوة، ريثما يتم تشكيل الدولة، على حد قوله.

تهديدات الدولة التركية والجيش الوطني السوري للمكون الكردي
منذ سقوط النظام البائد وإلى الآن، لم تتوقف الهجمات التركية بالطائرات المسيرة وكذلك هجمات الجيش الوطني المدعوم من تركيا والمنضوي كذلك تحت إدارة العمليات العسكرية، على المناطق الكردية في شرق الفرات. وترافق ذلك بالانتهاكات ضد المكون الكردي في مدينة عفرين وفي حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.

حدث أيضاً عمليات قتل لأهالي عفرين من قبل المستوطنين، قبيل مغادرتهم مدينة عفرين باتجاه مناطقهم الأصلية في المحافظات السورية الأخرى. وهناك تقارير وتوثيقات تؤكد ذلك.

ما هو "مبدأ المسؤولية عن الحماية"؟
مع الألفية الجديدة ظهر مصطلح جديد يتمثل في "مبدأ المسؤولية عن الحماية"، وهو التزام سياسي عالمي أيدته جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في مؤتمر القمة العالمي لعام 2005، وذلك على خلفيات الأحداث التي حصلت في يوغوسلافيا السابقة ورواندا والكونغو وكوسوفو وغيرها.

هل يمكن تطبيق "مبدأ المسؤولية عن الحماية" في سوريا؟
في ظل كل ما يحصل في سوريا من انتهاكات بحق الأقليات يبقى السؤال القائم والأهم هو: هل يمكن تطبيق هذا المبدأ في الحالة السورية في الوقت الحالي؟

لا شك أنَّ رؤية الانتهاكات وقتل المدنيين على الهوية يثقل كاهل وضمير الإنسان السوري، ويجعل من عملية العدالة الانتقالية وبناء الدولة أمراً أكثر تعقيداً. السبيل الأمثل لحماية السوريين يتمثل بإجراء عملية سياسية انتقالية بمشاركة كافة أطياف الشعب السوري، وإحلال سلام دائم ومستدام لإيقاف جرائم التطهير العرقي.

ولكن إذا بقيت الإدارة السورية الجديدة عاجزة عن وقف تلك الانتهاكات، سواء بحق أبناء الطائفة العلوية أو بحق المكون الكردي، يبقى التدخل الدولي هو الحل الأنسب والخيار الوحيد لحماية السكان المدنيين.