مراقبون: توقيف الرئيس السوداني قد يعزز حركات التمرد
الخرطوم تترقب قرار الجنائية الدولية وسط أجواء تعبوية
نبيل شرف الدين من القاهرة: تسيطر على العاصمة السودانية الخرطوم حالة من الترقب الحذر، وتتوقع دوائر دبلوماسية غربية أن تستمر حتى صباح يوم غد الأربعاء، في انتظار قرار المحكمة الجنائية الدولية، والمقرر أن يصدر مذكرة غير مسبوقة بتوقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي يتهمه مدعي هذه الهيئة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة في إقليم دارفور غرب البلاد. وسيعلن قرار المحكمة خلال مؤتمر صحافي تعقده كاتبة المحكمة سيلفانا اربيا والناطق باسمها لورانس بليرون في مكاتب المحكمة في لاهاي وفي حال وافقت المحكمة على طلب المدعي، ستكون مذكرة التوقيف الأولى التي تصدر بحق رئيس دولة منذ بدء مهامها في العام 2002.
وبينما وضع حزب المؤتمر الوطني خلال اجتماع موسع اللمسات الأخيرة لمواجهة القرار عبر خطط أمنية وسياسية، فقد حذر تعميم أصدرته السفارة الأميركية في الخرطوم رعاياها من السفر إلى السودان الآن، كما نبهت الموجودين في الداخل لاتخاذ كافة تدابير الحيطة والحذر من هجمات إرهابية متوقعة، في حال صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية، وأكد أن السفارة وضعت احتياطات أمنية لحماية أفراد السفارة، منها الحصول على إذن مسبق قبل السفر أو التنقل. كما أطلقت بعثة الأمم المتحدة تحذيرات مشددة بضرورة توخي الحذر، وقالت تقارير إن البعثة منحت بعض موظفيها إجازات مفتوحة فيما نصحت بتشديد الحراسة على مقر الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة.
خلفيات واحتمالات
وقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عريضة اتهام بحق الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دافور ضد سكانها من قبائل quot;الفور والمساليت والزغاوةquot;، مستخدما في ذلك جهاز الدولة بأكمله وتحت مبرر مواجهة التمرد في الإقليم.وبعيدا من تصريحات الرفض والشجب التي يطلقها مسؤولو الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية وحتى السودان نفسه، فإن الأكثر أهمية هو ما يسوقه مراقبون يرون أن هذه الرسالة ربما تفتح أبواب الفوضى ليس في السودان فحسب، بل وفي دول افريقية أخرى عديدة، لأنها ستقوي نزعات التمرد المسلح في أكثر من مكان ودولة من دول القارة السمراء التي تواجه العشرات من أحداث التمرد.
ويذهب المراقبون والمحللون السياسيون ومنهم د. حسن أبوطالب الخبير في مركز quot;الأهرامquot; للدراسات السياسية والإستراتيجية إلى أن الاتهام الدولي حقق هدفه الاولّي في إضعاف مكانة الرجل الاول في السودان، وهو بحكم منصبه الدستوري ورئاسته لعدد من المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، فضلا عن رئاسته لحزب المؤتمر الحاكم، بات متهما وعليه أن يثبت العكس، وهذا في حد ذاته أمر لا يبدو ممكناً في ظل التعقيدات التي تحيط بقضية دارفور وتداعياتها الدولية والإقليمية.
والبشير هو أول رئيس دولة توجه له المحكمة الجنائية الدولية اتهاما وهو في منصبه منذ ما حدث مع رئيس ليبيريا تشارلز تيلور والرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش، وكلاهما نقل إلى لاهاي في نهاية المطاف، وقد توفي ميلوسيفيتش قبل اصدار حكم في محاكمته التي استمرت زهاء أربعة أعوام. غير أن موقف البشير يختلف اختلافا كبيرا عن ميلوسيفيتش وتيلور، فهو يحكم قبضته بقوة على مقاليد السلطة كما أن هؤلاء الذين يمكن أن يسلموه للاهاي تفصلهم عنه مسافة كبيرة، ويقول نيك جرونو من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: quot;من المستبعد بشدة أن ينتهي الامر بالبشير في قاعة محكمة في أي وقت عما قريبquot;، مؤكداً أنه quot;ليس هناك احتمال حقيقي بأن تتم الاطاحة بالبشير عما قريبquot;. لكن في المقابل فإنه إذا أصدر القضاة الدوليون قرار الاعتقال فمن المؤكد أنه سيقيد حركة الرئيس البشير كثيرا، ما يجعل السفر الى الخارج بالنسبة للرئيس شبه مستحيل بشكل خاص ويجعل من الصعوبة بمكان اجراء اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى.
البشير: أي قرار ستصدره المحكمة الجنائية quot;لا قيمة له عندناquot;
وقال الرئيس السوداني عشية القرار الذي ينتظر ان تتخذه المحكمة الجنائية انه quot;لا قيمة له عندناquot; ويمكنهم ان quot;يبلوه ويشربوا ميتهquot;. واكد البشير في خطاب ألقاه امام الاف السودانيين بمناسبة افتتاح سد مروة quot;أي قرار سيصدر من المحكمة الجنائية الدولية لا قيمة له عندنا وسيكون مصيره مثل القرارات التي سبقتهquot;. واضاف عندما صدر القرار 1706 (لمجلس الأمن بشأن نشر قوات دولية في دارفور عام 2006) قلنا لهم إن عليهم ان يبلوا القرار ويشربوا ميته والان نقول لهم عليهم ان يستعدوا ليفعلوا به مثل سابقهquot;. وتابع quot;سنرد على كل هذه القرارات بمشروعات تنموية جديدةquot;. واعتبر البشير ان quot;هناك استهدافا للسودان من قبل العالم الغربي لتعطيل مسيرته ولتعطيل مسيرة مشروعات التنمية فيه ونحن لن نلتفت لذلكquot;.
ومن المقرر ان تصدر غدا المحكمة الجنائية الدولية قرارها بشأن الطلب الذي تقدم به مدعيها العام لويس مورينو اوكامبو في تموز/يوليو الماضي باصدار مذكرة توقيف بحق البشير الذي اتهمه بارتكاب جريمة quot;ابادة جماعيةquot; وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور. وكان الاف السودانيين تجمعوا منذ الصباح للاحتفال بافتتاح سد مروه اكبر مشروع على النيل منذ انشاء السد العالي في مصر قبل اربعين عاما.
ويقع السد، وهو كتلة اسمنتية ضخمة، على بعد 500 كليومتر شمال الخرطوم. ووزع على المشاركين في الاحتفال الاف الملصقات التي تؤكد الدعم للرئيس السوداني والتي كتب عليها quot;نحن معكquot;. كما كانت صور لاوكامبو مشطوبا عليها بخطين احمرين متقاطعين ملقاة على الارض ويدوسها المشاركون باقدامهم. وحمل رجل مسن مجسما بالحجم الطبيعي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ووضع خلفه مجسمين لصاروخين اطلقت عليهما اسم البشير-1 والبشير-2.
وبدأ بالفعل تشغيل اثنين من محركات السد الذي سيولد 1250 ميغاوات من الكهرباء عند تشغيله بكامل طاقته اي انه سيؤدي الى مضاعفة حجم الطاقة الكهربائية في السودان. وتبلغ كلفة هذا المشروع قرابة ملياري دولار ونفذه كونسرسيوم من الشركات الصينية باشراف مجموعة ليهماير الالمانية بينما وردت شركة الستوم الفرنسية المحركات التي بدأ تشغليها. وشارك في بناء سد مروه 40 الف سوداني.
التعليقات