مخاوف من تسييس المحكمة وإجراءات مماثلة قد تطال قادة عرب آخرين
وزراء العدل العرب: طلب توقيف البشير لا يستند لأسس قانونية سليمة

نبيل شرف الدين من القاهرة: في ختام اجتماعهم الاستثنائي اليوم الأحد بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، وصف وزراء العدل العرب طلب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية لويس مورينو أوكامبو بإصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير بأنه quot; لا يستند إلى أسس قانونية سليمة أو أسباب واقعية تبرر هذا الطلب quot;، وفق ما ورد في بيانهم الختامي. كما أكد الوزراء العرب في بيانهم الذي أصدروه في ختام اجتماعهم برئاسة وزير العدل الكويتي حسين ناصر الحريتي، أكدوا رفضهم لما وصفوه بأي محاولات لتسييس مبادئ العدالة الدولية، ورفضهم المعايير المزدوجة في تطبيق القواعد القانونية المستمدة من الإتفاقيات والقانون الدولي. وكانت مذكرة للمحكمة الجنائية الدولية تضمنت أن المدعي العام للمحكمة لويس مورينو أوكامبو طلب إصدار أمر بالقاء القبض على البشير بتهمة ارتكاب ابادة جماعية وجرائم أخرى ضد الإنسانية وجرائم حرب في إقليم دارفور غرب السودان.

كما عبر وزراء العدل العرب عن قلقهم وعدم رضاهم عما وصفوه بالتناول الإعلامي للمدعي العام في ما يتعلق بطلب إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني بأسلوب يؤثر سلبا على سير العدالة، كما أكدوا التضامن مع السودان ضد ما يستهدف النيل من سيادته ووحدته واستقراره أو المساس بالقواعد القانونية الدولية المتعلقة بحصانة رؤساء الدول، وأن نظر هذه المسألة يجب أن يتم وفقا للتشريعات الوطنية. على الصعيد ذاته رحب وزراء العدل العرب بمبادرة الجامعة العربية والإتحاد الأفريقي والتعاون القائم بينهما في هذا الشأن ، مؤكدا دعم لجنة الخبراء القانونيين المشكلة بين الجامعة والاتحاد الأفريقي لمتابعة الإجراءات التي تتخذها المحكمة الجنائية الدولية.

وأكد وزراء العدل العرب دعمهم لجهود الأمين العام للجامعة العربية في العمل على تنسيق المواقف بين الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة دول عدم الانحياز سعيا إلى وقف إجراءات المحكمة الجنائية الدولية لتأمين تحرك مشترك يستهدف متابعة تنفيذ quot;حزمة الحلquot; ودعوته لمواصلة جهوده لتعزيز المصالحة الأهلية واستعادة السلام الاجتماعي وتحقيق العدالة في دارفور. ووفقاً لتقديرات محللين سياسيين فإن الدول العربية تشعر بالقلق حيال اتهامات الغرب لها بانتهاك حقوق الإنسان بينما يتجاهل ما يصفونها بجرائم حرب ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وترتكبها القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، كما يقول هؤلاء المحللون إن دولاً عربية تخشى أن يكون القبض على البشير ومحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية يشكل سابقة لإقرار إجراءات مماثلة ضد قادة عرب آخرين.

رزمة حلول

وحث وزراء العدل العرب المجتمع الدولي على اتخاذ وقفة جادة لتصحيح مسار المحكمة الجنائية الدولية ، داعين في بيانهم الختامي إلى اتخاذ قرارات في هذا الإطار خلال المؤتمر الاستعراضي لاتفاقية روما المقرر عقده في عام 2010. كما أكد مجلس وزراء العدل العرب على استقلال القضاء السوداني ونزاهته وكذلك قدرته على إجراء محاكمات عادلة وفاعلة باعتباره صاحب الولاية الأصلية في هذا المجال، كما أحيط المجلس بما اتخذه السودان من إجراءات قانونية وتشريعية وقضائية منذ بداية الأحداث في دارفور بما في ذلك إنشاء ثلاث محاكم خاصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالانتهاكات في دارفور وإصدار أحكام قضائية في هذا الصدد، وتعيين مدع عام مختص للتحقيق في هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها ، وإعداد مشروع تعديل للقانون الجنائي السوداني وقانون الإجراءات الجنائية استرشادا بالقانون العربي النموذجي للجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الذي اعتمده مجلس وزراء العدل العرب في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2005، ورحب المجلس بهذه الإجراءات باعتبارها جزءا من حزمة الحل التي تم الاتفاق عليها بين الجامعة العربية والسودان.

وقال رضوان بن خضرا المستشار القانوني للامين العام للجامعة العربية رئيس الأمانة الفنية لمجلس وزراء العدل العرب وممثل الامين العام في الجلسة الافتتاحية للدورة الاستثنائية لمجلس وزراء العدل العرب الذي يعقد لمناقشة طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار قرار توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، quot;إن مبادرة مجلس وزراء العدل العرب إلى الاجتماع تأتي استكمالا ودعما ومتابعة للجهود التي قامت بها الجامعة العربية وتقوم بها لمساعدة السودان على تجاوز هذا الوضع وخاصة من خلال لجنة جامعة الدول العربية، ومن خلال رزمة الحلول التي تم التوصل إليها بين الأمين العام للجامعة العربية والسلطات السودانية.

وأشار إلى أن رزمة الحل تضمنت مجموعة من الخطوات الاخري لتفعيل الإجراءات القانونية والقضائية التي قام بها السودان منذ بداية أزمة دارفور بما في ذلك تشكيل محاكم خاصة للنظر في الجرائم المتعلقة بالوضع في دارفور تتوفر فيها ضمانات المحاكمةالعادلة وتعيين مدع عام لهذا الغرض وتقديم كل من تثبت مشاركته في أي نشاط إجرامي للعدالة مهما كان موقعه، والسعي إلى إعلان الاحكام التي ينظرها القضاء، إلى جانب اتخاذ الإجراءات اللازمة من جانب المشرع السوداني للتأكد من إدراج جميع الجرائم المنصوص عليها في القانوني الدولي الإنساني ضمن القانون الجنائي السوداني وهي الإجراءات التي قام بها السودان ويقوم بها بكل جدية ومسؤولية.

قانون نموذجي

وتابع المستشار القانوني للأمين العام للجامعة العربية ورئيس الأمانة الفنية لمجلس وزراء العدل العرب قائلاً : quot;إن مجلس وزراء العدل العرب أعد قانونا عربيا نموذجيا للجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر تم اعتماده في عام 2005 ويهدف إلى مساعدة الدول العربية على تفعيل نظامها القانوني وممارسة اختصاصها القضائي على هذه الجرائم لمنع سحب هذا الاختصاص من قبل المحكمة الجنائية الدولية وذلك عملا بمبدأ التكاملquot;. وأضاف أن إعداد هذا القانون جاء بناء على توصية صادرة عن الندوة القانونية العربية التي عقدها مجلس وزراء العدل العرب عام 2002 حول آثار التصديق والانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.

واشار إلى أن القانون جاء ايضا في إطار سلسلة من المبادرات والجهود التي قام بها المجلس من أجل تنسيق المواقف العربية باتجاه المحكمة الجنائية الدولية خلال كل مراحل التفاوض على النظام الاساسي لهذه المحكمة إلى أن تم اعتماده في مؤتمر روما سنة 1998، وخلال الأعمال التحضيرية اللاحقة في نيويورك حيث ساهمت الدول العربية بشكل فاعل في هذه الأعمال.

ومضي رضوان بن خضرا المستشار القانوني للامين العام للجامعة العربية ورئيس الأمانة الفنية لمجلس وزراء العدل العرب قائلاً إن الجامعة العربية التي أيدت فكرة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها صمام أمان للدول والشعوب ودرعا واقيا للبشرية من ويلات الحروب تطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضي بصيانة هذه المحكمة من المخاطر التي تهددها والنأي بها عما وصفوه بـ quot;أهواء السياسةquot;، مع إعطاء الأولوية في حل النزاعات للمساعي السياسية، وتمكين القضاء الوطني من ممارسة اختصاصه الاصيل على الجرائم الدولية في إطار احترام السيادة الوطنية للدول.

وأعرب عن أمله في أن يخرج اجتماع مجلس وزراء العدل العرب بنتائج تساعد في تعزيز الموقف القانوني للسودان ودعم الجهود والخطوات التي يقوم بها السودان في المجال العدلي مع الدعم الذي تقدمه الجامعة العربية للجهود السياسية التي يقوم بها السودان لإيجاد حل عادل لأزمة دارفور بالتعاون مع الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة وذلك في إطار حزمة الحل والقرارات الصادرة عن مجلس الجامعة العربية وآخرها قرار المجلس رقم 6943 بتاريخ 8 سبتمبر 2008 الذي رحب بمبادرة أهل السودان التي اطلقها الرئيس البشير للتوصل إلى تسوية سياسية لأزمة دارفور بتوافق جميع القوى السياسية والاحزاب.

وفي الختام فقد كلف المجلس الأمانة الفنية لمجلس وزراء العدل العرب بتعميم هذا القرار على المجموعة العربية في نيويورك وعلى المنظمات الدولية والإقليمية ، كما كلف رئاسة المجموعة العربية في نيويورك بتعميم هذا القرار كوثيقة رسمية من وثائق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقرر المجلس أن يبقي في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات.