قبل كل شيء أريد توضيح نقطة هامة وهي أني عند كتابة هذ المقال لم أخبر أحداً من من أفراد عائلتي آل حاجو، ولم أطلب من أحد منهم العون أو المشورة، وبذلك أتحمل كامل المسؤولية شخصياً عن محتوى هذا المقال.


كل فرد في آل حاجو حر في رأيه وإنتمائه السياسي ويتحمل كامل المسؤولية شخصياً،علماً أن هناك إرتبطاتات وثيقة تجمعنا فيما عدا ذلك.


ليس هناك شيء أصعب من أن تكتب عن الأقربين، وإنه عمل شاق لا يتصوره العقل. فقد يظن البعض أن هذا العمل هو نوع من النفخ في الذات وعبادة quot;الأناquot; المرضية و البشعة والممجوجة. إلا أنني أضطررت لذلك نظراً لما يجري من التجني على التاريخ وشخوصه. وترددت كثيراً وتساءلت هل أترك ذلك للمستقبل وأنا تجاوزت الستبن من العمر؟. وأخيراً كتبت.........أرجو حلمكم.
الموضوع يتعلق بالفترة الزمنية ما بين 1926 ـ 1940 وهي فترة حياة حاجو في جنوب خط الحدود الفاصل بين سوريا وتركيا، ذلك الخط الذي تم ترسيمه في العواصم الأوربية كما هو معروف.


لقد كثر الحديث في السنة الأخيرة حول حوادث (بياندور) 1923، والموضوع هنا ليس قطعاً ذلك الجدل العقيم حول تاريخ تلك الحوادث وتفاصيلها، وإنما هو التطرق الى الآراء والتحليلات والنتائج التي بنيت على معركة (بياندور) والتي صدرت من عدة جهات ــ مع الأحترام لكل الآراء ــ والتي تفضي الى أن تلك المعركة كانت نتيحة للشعور ب quot;الوطنية السوريةquot;.


حادثة (بياندور) في عام 1923 بالنسبة لحاجو لم يكن الهدف منها محاربة الفرنسيين، وكذلك لم تهدف للدفاع عن الوطن السوري الذي لم يكن قد تشكل بعد، ولا عن quot;الوطنية السوريةquot; التي لم تكن معروفة لدى العرب والكرد حينها، وليس من حقنا أن نسجل بطولات مزيفة على أخواننا العرب الذين نشاركهم الوطن وكذلك الوطنية السورية حالياً بأننا حاربنا الإستعمار الفرنسي.


في عام 1926 كانت عائلة حاجو مهددة بالتهجير الى المناطق التركية في الأناضول[أنظر كتاب الشاعر جكرخوين النسخة الكردية ص 156 ] لتتشتت و تندثر. الفرنسيون كانوا في جنوب خط الحدود. هذه الحدود الغريبة تتشكل قسم كبير منها من الخط الحديدي للقطار والذي شيده الألمان في العهد العثماني وكان عمر هذا الخط لا يتجاوز عشر سنوات حينها. أين هو الوطن السوري وأين هي الوطنية السورية هنا عندما يصبح خط حديدي في أراضي زراعية مسطحة ليس فيها أية تضاريس حدوداً لدولة؟. لقد كنا سكان المنطقة جميعاً عبارة عن متفرجين لما كان يقوم به الكبار والاقوياء من الأجانب.


حاجو كانت له إتصالات مع الإنكليز في العراق للجوء ــ ليس فقط لعائلته بل لكل أفراد عشيرة هفيركا ــ إليها لتفادي خطر الفرنسيين، إلا أن شروط الإنكليز كانت مستحيلة ومن بينها إلقاء السلاح على الحدود عند دخول الأراضي العراقية، والشرط الآخر هو إسكانهم في المناطق العربية الى الجنوب من بغداد، وكان طلب حاجو هوالإقامة في المناطق الكردية، وكانت له إتصالات سابقة مع بعض الزعماء الكرد في العراق بهذا الصدد. لذلك إتخذ حاجو القرار الصعب وهو الإنتقال الى منطقة تواجد الفرنسيين ــ على الرغم من أنه كان مطلوباً من الفرنسيين بسبب معركة (بياندور) وكان هناك خطر على حياته ــ وفضل ذلك على الكيد التركي المبيت للتهجير الى الأناضول. من ناحية الجد حاجو فإنه كان يطمح الى دولة كردية مستقلة بالدرجة الأولى. في تلك الفترة لم تكن هناك وجود لأية دولة سورية لها حدود حسب ما أفضى به المؤرخ القدير الدكتور خالد عيسى على فضائية (روج تي في) الكردية ــ معتمداَ في ذلك على وثائق الخارجية الفرنسية حينها ـ فإن الحدود السورية الحالية أخذت شكلها الرسمي والحالي لأول مرة في 1933. وحتى نكون واقعيين فإن العرب السوريين لم تكن quot;الوطنية السورية quot; قد نضجت لديهم بعد. في معركة (بياندور) نفسها كان العرب يشكلون العمود الفقري للقوات الفرنسية، وقد قتل من الهجانة فقط حينها خمسة عشرة فرداً من أصل تسعين فردأً كانوا ضمن القوات الفرنسية[الوثائق الفرنسية.د.خالد عيسى].أما النخبة العربية فكان طموحها دولة عربية كبيرة وواحدة وكان ذلك حقاً طبيعياً لهم، ولم تكن الوطنية السورية موضوع الحديث قد تبلورت لديهم.


إذاً كيف يكون الكرد السوريون هم من إكتشفوا quot;الوطنية السوريةquot; في حين أن العرب وخاصة العشائر العربية في الجزيرة لم تكن تعرف عنها شيئا. بل كانت بعض تلك العشائر تقف في صف فرنسا في صراعها على النفوذ مع جيرانها من أبناء جلدتهم، وهذا ليس بسر، ونفس الصراع كان دائراً بين العشائر الكردية أيضاً.


تلك المرحلة كانت مرحلة تشكل الحدود والدول في المنطقة والتي كانت أساسها إتفاقيات سايكس ــ بيكو المشؤومة والتي يلعنها العرب قبل الكرد لأنها أحبطت تشكيل الدولة العربية الواحدة التي وعدوا بها من قبل الإنكليز، كذلك كانت السبب في عدم تشكل الدولة الكردية أيضاً. ولو طبقت معاهدة (سيفر) بدلاً من (سايكس ــ بيكو) لكانت اليوم هناك دولة كردية كبقية دول المنطقة تضم الكرد جميعاً.


كل المنطقة كانت في حالة عدم إستقرار والحدود كانت في حالة مد وجزر وكل شعب كان يطمح الى الإستقلال عن الدولة العثمانية المنهارة ويحاول توسيع رقعة أرضه.


لماذا إذن نستصغر من شأن شعبنا الكردي ونلصق به بعض المواقف التي لم يكن يطمح إليها في يوم من الأيام، أي عدم سعيه الى وطن مستقل كباقي الشعوب؟.هل نحن دونيون الى هذه الدرجة في إننا لم نكن نريد وطنناً مستقلاً؟


في إحدى الوثائق التي نشرها د.خالد عيسى والعائدة الى إدارة المحابرات الفرنسية في دير الزور والمؤرخة في 24 شباط 1930 يأتي ما يلي:quot; في 6 شباط قدم حاجو آغا الى ضابط إدارة القضاء مضبطة محررة باللغة الكردية، ومترجمة الى العربية، يطلب فيها من السيد المفوض السامي أن يأخذ في الإعتبار منطقة الجزيرة العليا الكردية، وأن يدرس إقامة حكم ذاتي من أجلهاquot;.


نعم إن حاجو آغا في تلك الظروف الموصوفة أعلاه كان طموحه هو اقامة دولة كردية مستقلة، وقد سعى الى ذلك بكل ما كان يملك من طاقة. لكنه لم يفلح في توحيد كلمة الكرد من جهة، ومن جهة أخرى منعته الظروف الدولية القاهرة. وكان حاجو قد تقدم أيضاً بطلب الى عصبة الأمم يطالب فيها بدولة كردية، ولولا الظروف الدولية التي واكبت الحرب العالمية الثانية وإكتساح المانيا لفرنسا وإنقسام الفرنسيين على بعضهم وإنتقال ذلك الى مستعمراتها، والأهوال التي حلت بالأوربيين لكان طلب حاجو قيد الدرس في عصبة الأمم حيث كانت فرنسا قد أعطت موافقتها المبدئية على الطلب حين تقديمه. في كتاب الشاعر جكرخوين، النسخة العربية ص292 نقرأ ما يلي: quot;فيما بعد وقع الأكراد والمسيحيون على كتاب كي يرسلوه الى إجتماع الأمم[يقصد عصبة الأمم].بعدما قرأتها قلت للآغا: إنها جيدة لكن يلزمها شيء مهم باعتقادي وهو أنكم لم تبينوا لغة هذه الدولة، يجب أن تكتبوا أن لغة الدولة هي الكردية كي لا نخدع في المستقبل.....حين جاء رد الرسالتين ــ من عصبة الأمم ــ كانت باسم حاجو آغا ومضمونها يقولquot; لقد وصلتنا مطاليبكم وندرسها الآن، قريباً سوف تتحققquot;.


وقد لا يعلم الكثيرون أن حصة اللغة الكردية كانت موجودة في مدرسة الحسكة والكتاب المدرسي المقرر كان بالحروف الكردية اللاتينية وتمت الدراسة به حتى وفاة حاجو عام 1940. هل كان كل طموح الإنسان الكردي[بل أي إنسان من أية قومية أخرى] هو أن يحصل على هوية مواطنة في أية دولة ما في المنطقة؟. لونجحت أية ثورة من تلك الثورات الكردية العديدة التي حدثت في تركيا ــ مثلاً ثورة الشيخ سعيد 1925 ــ لكانت الدولة الكردية موجودة الآن.


في مقال قادم سوف أحاول التطرق الى تشكل المرحلة الوطنية و كيف أصبح الكرد جزءاً من النسيج الوطني السوري.
لايمكن لأي كان ولا في أي زمان أن يقٌيّم الماضي ويحكم عليه بمقاييس وواقع اليوم. وإذا كذبنا على أنفسنا اليوم، فإن الوثائق ستفضحنا غداً...

بنكي حاجو
طبيب كردي سوري ــ السويد
[email protected]