صلاح سليمان من ميونيخ: سلك الروائي والقاص المهاجر راوي الحاج في روايته الجديدة الصرصور مسلك الروائيين الكبار مثل فرانز كافكا وتوفيق الحكيم والروائي الروسي العظيم ديستوفسكي ، فهو دخل معهم في دائرة تشبيه الإنسان بالصرصور في ذات سياق وفكرة الهروب الي تلك الحشرة تحت وطأة القهر والمعاناة التي تساوي بين الحشرة والإنسان، فالإنسان في روايات كل هؤلاء قد أجبرته الظروف وقسوة الحياة علي الدخول في النفق المظلم ليتساوي بالصرصور كحشرة.

إختار راوي الحاج اسم الصرصور لروايته التي تم ترجمتها الي الألمانية حديثا واصبح في متناول الألمان قرائتها والتعرف علي تجربة المؤلف الغنية في تلك الروايه التي حققت أعلي المبيعات في كندا بعد ظهورها لأول مرة باللغة الإنجليزية، غير أن النقاد حاولوا الربط بينها وبين رواية quot;المسخquot; لفرانز كافكا التي كان بطلها إنسان تحول الي صرصور نتيجة للقهر والظروف المعيشية السيئة التي يعاني منها وطوال الرواية كان كافكا يحاول أن يجعل من تحول الإنسان الي صرصور أمرا يجب التعامل معه بعقلانية في ذلك الحوار الذي يدور بين الصرصور والمحيطين به ويسير الحاج علي نفس المنوال في محاولة تشبيه نفسه بالصرصور تحت نفس الظروف لكن كتابا كبار آخرين استهواهم الصرصور وكان بطل رواياتهم فقد كتب توفيق الحكيم مسرحية باسمquot; مصير الصرصورquot; عن زوج يخاف من زوجته مثل خوف الصرصور من الخادمة التي تمسك بالممسحة وتهدد بقائه حيا، روائي آخر عظيم وهو ديستوفسكي كتب رواية quot;الإنسان الصرصورquot; وهي واحدة من أكبر الروايات تاثيرا في الأدب الروسي حيث يظهر بطل الرواية بالشخص المريض والجبان ومن خلال فلسفة راقية في السلوك البشري يستخدمها ديستوفسكي في روايته يظهر ذلك التداخل في العلاقة بين الانسان الجبان والصرصور.

أما أهمية رواية راوي الحاج في المكتبة الألمانية في أنها تأتي بعد ان حقق كاتبها انجازا في عالم الأدب بعد حصوله علي جائزة امباك الادبية من دبلن والتي تبلغ قيمتها 100 الف يورو عن رواية quot;دي نيروquot; التي كتبها بشكل مباشر عن الحرب الأهلية اللبنانية وقد ترجمت الرواية الي 18 لغة وتصدرت مبيعات الروايات في كندا لفترة طويلة.
لكن رواية الصرصور ورغم أنها تعرج ايضا علي مشاهد من الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت السبب المباشر لهجرة راوي إلا أنها تبقي في إطار التجربة الذاتية التي بطلها هو المعاناة الحقيقية التي لاقاها الكاتب في أوج سنوات الحرب اللبنانية التي حصد ت أرواح الكثيرين، لم يكن أمام راوي في ظل تلك الحرب المستمرة ومشاهد الموت اليومية إلا ان يهاجر مثله مثل باقي الشباب الذي كان يفكر في الهروب الي الخارج.
تحقق له ذلك الحلم بالهجرة في سنة 1982 حيث تمكن راوي من الخروج من بيروت ووصل الي نيويورك وهناك بدأت معاناته الشديدة مع أهوال الغربة التي بدأها بالعمل، ثم في محاولة تأهيل نفسه الي واقع الغربة الجديد، فبجانب البحث عن مصدر للرزق اصبح ايضا يعاني من ذكريات الحرب الأليمة ورغم كل هذه الصعاب راح يدرس في الجامعة ودرس فن التصوير الفوتغرافي، إلاأنه هاجر مرة اخري الي كندا فهو لديه إحساس بعدم الإستقرار، وحياته تسير من صعب الي اصعب وانتهي به الحال الي إحساسه بانه جثة بلا روح.. فهو يلجأ الي دخول عالم السرقات من أجل الحصول علي ما يسد به رمقه في ذلك المجتمع الذي لا يرحم. وفجأة وفي ظل هذه المعاناة يدخل في حوار مع النفس ويتساءل لماذا هو هنا؟ وماذا يفعل؟ لاشئ يرافقة الا الخوف مثله مثل الصرصور.
يتألق رواي الحاج في سرد روايته بعد تلك التساؤلات فبطل روايته الذي يجسد قصة كفاح راوي الحاج يتردد علي طبيب نفسي بعد محاولة فاشلة للإنتحار، ويعتقد في ذلك الموقف المعقد انه نصف صرصار ونصف أدامي، ويتماشي الطبيب النفسي معه في ذات الاطار للبحث عن إمكانية الشفاء لكن الرواية تدخل في فلسفة جدلية حول قيمة الانسان امام المعاناة والعذابات التي قد تحيط به، فالمريض في الرواية يطرح الاسئلة علي الطبيب النفسي فهو يقول للطبيب انني أشعر بانني لست إنسان كاملآ ومن ثم يباغت الطبيب بسؤال اخر ماذا تعني الإنسانية؟ وهو يسأل هذا السؤال بحثا عن إجابة لماذا تتولد كل تلك المعاناة اذا كانت الإنسانية بالفعل موجودة بيننا. لا يستطيع الطبيب النفسي الاجابة علي كل تلك الأسئلة ويقول للمريض انك قد وقعت في الفخ وأصبحت مثل الحشرة المحبوسة والتي تحاول ان تبحث عن مخرج ويؤكد هذا التوصيف للحاج مدي إحساسة الفعلي بانه حشرة او صرصور ويدلل علي ذلك بأن إحساسة الدائم بالانطواء والعزلة وحب الأماكن المظلمة والستائر المغلقة قربه من عالم الصراصير فالغرفة التي يعيش فيها هي الاخري مليئة بالصراصير.

لا يشك النقاد في ان احداث الرواية في هجرة البطل واللجوء وقبلها الهروب من الحرب اللبنانية تضافرت كلها في تجسيد المعاناة والألم،فقد عمل بطل الرواية في التنظيف وعمل كجرسون وكان يسأل نفسة في كل الأوقات ماالذي يدفع بالانسان الي هجرة الوطن والانتقال الي الطرف الآخر من الكرة الارضية، هذه الحياة العنيفة جعلته يجد نفسه اكثر في عالم الصراصير حيث تتولد لديه القدرة علي الإختفاء والتسلل والعيش بعيدا عن الأضواء
يري بعض النقاد ان لجوء الكاتب الي لغة اخري غير لغتة الأم يمنحه الكثير من الحرية والصدق وهذا ماجاء في رواية الحاج التي نجحت في جذب انتباه القراء الغربيين.