افتتح قبل أيام معرض quot;حدائق الإنطباعيينquot; في متحف quot;تيسينquot; وسيستمر حتى 13 فبراير 2011، ويضم ما يقارب 130 لوحة لكبار رسامي حركة الإنطباعيين، مع إضافات رمزية لمن مهد لهم ومن جاء بعدهم.



حميد مشهداني من مدريد: من حسن حظ عاصمة إسبانيا (مدريد) أن أهم متاحفها الفنية قريب بعضها من الآخر، وكلها تحلق في محيط متحف quot;البرادوquot; الذي يعتبر واحدا من أهم المتاحف في العالم، فعلى يساره يوجد متحف quot;الملكة صوفياquot; الذي يعنى بالفن الحديث في مجموعته الدائمة، ومعارضه الدورية، وخلفه بناية قاعة ldquo;بوين ريتيروrdquo; الذي احتضن لوحة بيكاسو ldquo;غيرنيكاrdquo; أولا بعد عودتها من نيويورك في بداية الثمانينات بعد مفاوضات صعبة مع متحف الفن الحديث لهذه المدينة، التي كان عليها تنفيذ وصية الفنان العظيم، وهي يجبألا تعود اللوحة إلى إسبانيا إلا بعد ترسيخ الديموقراطية فيها. وعلى يمين المتحف العريق، أسس قبل سنوات متحف ldquo;تيسينrdquo; الخاص من قبل البارون الألماني ldquo;فون تيسينrdquo; مليونير المصاعد والسلالم الكهربائية، ابن وحفيد أهم العوائل الأوربية التي تملك أكبر مجموعة من الأعمال الفنية الحديثة على مدى القرن الماضي، ويحتوي مئات اللوحات الكلاسيكية والحديثة النادرة، وباستمرار يقيم معارضا دورية مهمة جدا، والأن يخوض مغامرة رائعة في عرضه الأخير، حيث يقيم معرضا شاملا لـquot;حدائق الإنطباعينquot; بدءا من 12 نوفمبر إلى 13 فبراير2011، ويضم أولا، أبرز لوحات الإنطباعيين مع إضافات رمزية لمن سبقهم، ومن جاء بعدهم.
المعرض هو تواصل لفكرة جريئة بدأها ldquo;الناشنال غاليريrdquo; في ldquo;أدنبرهrdquo; الصيف الماضي، وتكمن في عرض لوحات الحدائق والغابات والريف بين منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويمثل جهدا رائعا من قبل منظمي المعرض ldquo;الأسكتلنديrdquo; أولا وثانيا من قبل مسئولي متحف ldquo;تيسينrdquo; الذي يحتفظ بأكثر من 20 لوحة لأبرز الإنطباعيين، والجميل هو العرض بتسلسل تأريخي، فالمعرض يبدأ بلوحات ما يسمى ما ldquo;قبل الإنطباعيينrdquo; مثل ldquo;كوروتrdquo; 1796-1875وهو أول من مهد للإنطباعيين في لوحاته مثل ldquo;منظر فلورنسا من حدائق بوبوليrdquo; وrdquo;منظر التيفوليrdquo; بألوان فضية رائعة، وrdquo;ميليتrdquo; 1814-1875 الذي كان موضوعه الرئيسي في معظم أعماله، هو المنظر الطبيعي والفلاحون وأشهر لوحاته هي ldquo;ملتقطات فضلات الحصادrdquo; وrdquo;المزارعrdquo; وهناك لوحات الرسام الخالد ldquo;ديلاكرواrdquo; 1798-1863 الذي كان محسوبا على ldquo;المدرسة الرومانتيكيةrdquo; هؤلاء وضعوا في المعرض لتقديم أول بدايات ldquo;الإنطباعيةrdquo; التي ستزدهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين.
وهذه الفكرة في تقديم المعرض الذي يحتوي 130 لوحة كانت رائعة لتضع المشاهد أمام تطور الحركة منذ لحظاتها الأولى، إلى حد انصراف أكبر قادتها ldquo;بول سيزانrdquo; 1839-1906 ليضع أسس ldquo;التكعيبيةrdquo; التي رسخها كمدرسة ldquo;بابلو بيكاسوrdquo; وrdquo;براكrdquo; بعد وفاة هذا. ولوحاته في هذا المعرض تنتمي للمرحلة الأولى، حيث تخصص في رسم المناظر الريفية.
قبل ان أدخل في تفاصيل المعرض، أود الاشارة إلى ما كتبه ldquo;أرنيست فيشرrdquo; في كتابه المشهور ldquo;ضرورة الفنrdquo; الذي ترجمه ldquo;أسعد حليمrdquo; في 1971، ويبدأ هكذا ldquo;الشعر ضرورة... و آه لو أعرف لماذا؟ بهذه العبارة الرقيقة عبر ldquo;جان كوكتوrdquo; عن ضرورة الفن، وعبر في الوقت نفسه عن الحيرة إزاء دور الفن في العالم البرجوازي المعاصر وفي تحليله للحركة الإنطباعية يقول فيشر ldquo;ومع ذالك، كانت الإنطباعية أيضا ظاهرة ذات طابع مزدوج، وكان ldquo;سيزانrdquo; الذي لا يقل ذكاؤه عن موهبته، والذي سار بهذه الحركة الجديدة إلى ذروتها، وفي الوقت نفسه إلى نهايتها، كان على وعي بهذا التناقض الداخلي، فهو يقول عن الأساتذة القدامى، أنهم قادرون على تأمل التفاصيل، وكافة أجزاء الصورة تبقى دائما حاضرة معك، لا تغيب عنك، كأنما يدور النغم كله في رأسك، بغض النظر عن التفصيل المحدد الذي تدرسه، إنك لاتستطيع أن تنتزع شيئا من هذا الكل... فهم لم يكونوا يشتغلون بأسلوب الترقيع كما نفعل ldquo;وعندما تطلع سيزان في لوحة ldquo;ديلاكرواrdquo; المسماة ldquo;نساء الجزائرrdquo; صاح، إننا جميعا موجودون في هذا الرجل، كل شئ مترابط، مشغول من زاوية اللوحة كلهاrdquo;.
يبدأ المعرض بأعمال الإنطباعيين في لوحاتهم التي ركزت على ldquo;الطبيعة الميتةrdquo; والمناظر الداخلية في البيوت، مثل المزهريات، وأطباق الفواكه، ليتقدم إلى رسم الحدائق العامة، والبساتين، ثم لوحات الريف بفلاحيه و مزارعيه، في انفجار لوني رائع، حيث الطبيعة التي كانت تمثل الرمز الأساسي لموضوعهم، وزيارة المعرض الكبير هذا، بتسلسله التاريخي يترك المشاهد بدون شك لاكتشاف أن ldquo;التجريديةrdquo; في الواقع خرجت من جعبة الإنطباعيين و ldquo;الباليتاتrdquo; التي استخدموها، والشاهد على ذالك هو تطور أسلوب ldquo;سيزانrdquo; شيئا فشيئا، لينتهي إلى وضع أسس ldquo;التكعيبيةrdquo; التي بدورها فتحت الطريق واسعا أمام التجريدية وما ظهر بعدها من حركات مثل ldquo;الدادائيةrdquo; وldquo;السوريالية ldquo;وrdquo;التعبيريةrdquo; وبالتالي فالإنطباعيون، قلبوا المشهد الفني والثقافي، وحتى الإجتماعي، رأسا على عقب. فطريقة رسمهم، وأساليبهم كانت تلقائية وسريعة الخلط اللوني، وارتجالية مما جعل بعضهم يكتشف هذه المحاكاة بين الألوان وسرعة التصاقها اللاطوعية على قماش اللوحة، أو على ldquo;الباليتrdquo; وبالتالي كان إمعانا في ldquo;تجردrdquo; اللون، وتناسقه، وجماله لوحده، مجردا من أي موضوع.

أكثرهم عرضا هنا هو ldquo;كامبل بيساروrdquo; 1830-1903 وهذا كان أكثرهم تأثرا بأعمال ldquo;كوروتوldquo; وميليتrdquo; وأقدرهم بزهاء ألوانه، وهو الذي قدم ldquo;سيزانrdquo; للحركة في بداية شبابه في معرض المرفوضين، وبعد ذلك حمى ldquo;غوغانrdquo; من اللغط الذي أثاره هذا الأخير داخل وخارج الحركة. وبيسارو كان أيضا متخصصا في العمل الغرافيكي والليتوغراف، وله لوحات جميلة مثل ldquo;شابة مع عصاrdquo; وrdquo;نهر السين في بويتيفالrdquo; والثاني والمهم جدا في هذا المعرض هو ldquo;كلود مونيهrdquo; 1840-1926 الذي صار دون أن يدري، روح الحركة الإنطباعية، فلوحته التي رسمها في 1874، rdquo;انطباعrdquo; أو ldquo;شروق الشمسrdquo; هي التي عمدت اسم الحركة لاحقا، وفي المعرض له لوحات رائعة مثل ldquo;طوابير الحصادrdquo; وldquo;مساء في الحديقةrdquo; وعدد أخر من اللوحات التي لا أستطيع التوقف على جميعها، فالمتحف يعرض، 130 لوحة، منفذة من قبل ما يقارب 15 فنان، ونرى ايضا أحد أهم رسامي الالوان المائية من الإنطباعيين، وهو ldquo;بيرث موريسوتrdquo; 1841- 1895، الذي كان متخصصا في الرسم التوضيحي، والليتوغراف، وكان رسام مواضيع ومشاهد يومية، كما نشاهد في لوحته ldquo;نشر الغسيلrdquo; وrdquo;فتيات في زورق مع البطrdquo; وهذه الاخيرة تعتبر من أجمل أعماله، فهنا يعطي للطبيعة الدور الأول في اللوحة.
أما ldquo;مانيهrdquo; 1832-1883 الذي كان يعتبر من طليعيي الحركة، يساهم في عدد من اللوحات، مثل ldquo;ورود في كأس شمبانrdquo; وldquo;اوليمبياrdquo; وأعمال اخرى، وهذ الأخيرة كانت سببا لفضيحة بين التقليديين من الرسامين، وتأريخيا اعتبرت من الثورات الأولى على الرسم الكلاسيكي... وكما ذكرت سابقا، فهو يبدأ مرحلة ما قبل الإنطباعيين لينتهي في لوحات من جاء بعدهم، مثل ldquo;غوغانrdquo; وldquo;رينوارrdquo; ويضيف أيضا العديد من الفنانين الألمان والأسكندينافيين كldquo;ماكس أرنستrdquo; وldquo;كلمتrdquo; وrdquo;مونخrdquo; وrdquo;نولدrdquo; وفي الصالة الأخيرة تعرض أعمال بعض الفنانين الإسبان، رغم عدم اعتبارهم انطباعيين، وإنما فقط بسبب معاصرتهم للحركة مثل ldquo;سوروياrdquo; وldquo;ريغوييسrdquo; وldquo;انجلادا كاماراساrdquo; الذين قدموا بعض الأعمال التي حاولوا فيها مغازلة الحركة الإنطباعية الباريسية.
المعرض في الأخير يمثل فرادة في تأريخ العرض الشامل والمتخصص، في احتفال لوني رائع، وزاهي.