بطولة كأس الخليج أكثر من عرس كروي، بل هي فرصة للقاء بين فرق رياضية تمثل مكونات إجتماعية تحمل ثقافات متعددة. ففيها على السواء من لاعبين ومنظمين وجمهور وعشاق ومناصرين من جميع الأديان والمكونات العرقية والمذهبية. ففيها العربي والكردي والفارسي الأصل والبلوشي والبدون وحتى أجانب يحملون جنسيات عربية، وفيها أيضا ً المسلم الشيعي والسني الأباضي والزيدي والمسيحي وغير ذلك. فإذا كانت بطولة الخليج تحمل كل هذا الكم من المكونات، لماذا لايدعى الفريق الإيراني لتمثيل دولة تطل على هذا الخليج؟ ربما يعتقد البعض إنها فكرة جريئة أو مجنونة في هذا الوقت بالذات، وذلك بسب الشحن الطائفي والقومي الذي يملأ المنطقة برمتها. الأفكار الجريئة أو المجنونة فقط هي التي ربما تكون مخرجا ً لأزمات تعيشها الشعوب ولاتنقص تلك الأفكار إلا الجرئة والشجاعة بإتخاذ الخطوة الأولى.

إن أول مشكلة ستواجه هذا الفكرة هي تسمية البطولة إن كانت بطولة الخليج العربي أم الفارسي! شخصيا ً لايهمني إن كان الخليج عربيا ً أم فارسيا ً، فتلك تسميات تمت لأفكار أيدلوجية قومية، وتلك الأفكار رومانسية الطبع أي في غالبها غير واقعية، وهي غالبا ً ماتضمر توجها ً عنصريا ً شوفينيا ً يعبر عن حالة التفوق والتميز عن الآخر أو الأدنى. وحقبة بناء الدولة على أسس قومية خرج من أوسع أبواب التاريخ في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية وكثير من دول العالم لأنها أدت إلى الكثير من الحروب الغير مبررة وطحنت فيها مدن ومات بها أناس كثيرون. الفكرة القومية تعود للقرن الثامن عشر في أوربا ونشئت حروب فيما بينها لتركيز أسس الدولة عل أساس قومي مرتبط بالعرق و الدين واللغة والتاريخ. أما في الشرق الأوسط ففكرة القومية كأيدلويجة لقيام دول على أساسها حاضرة وتلعب دور كبيرا ً في إضعاف التواصل والتعاون بين دول المنطقة مما يجعل دول كثيرة، بعيدة وقريبة، تستغل هذا الضعف للسيطرة على موارد المنطقة وخيراتها، وخير مثل على إستغلال هذا الضعف هي إسرائيل. إن الشعوب الحية لاتفخر بأسماء خلجانها ومدنها وشوارعها بقدر فخرها بصناعتها ونتاجها العلمي والأدبي ومواقفها السياسية الداعمة للسلم العالمي. أما المفتقرون لكل شيء فينعمون بأفكار رومانسية مخدرة كالأفكار القومية على أساس عرقي أو ديني أو طائفي ويشعلون الحروب من أجلها.

إن الخليج يسمى فارسيا ً في الجغرافيا القديمة قبل تنامي الأفكار القومية العربية في أربعينيات القرن الفائت فسمي عربيا ً في مناهج الدراسة للكثير من الدول العربية. لقد إستغل نظام الشاه، شرطي الخليج سابقا ً، هذه التسمية لترسيخ الفكر القومي الفارسي، ولايزال هذا النفس القومي حاضرا ً حتى بعد قيام الجمهورية الأسلامية في إيران. وكردة فعل سمى العرب الخليج بالعربي بدل الفارسي ولم يسموا البحر الأحمر مثلا ً بالبحر العربي بالرغم من إطلال الدول العربية على هذا البحر. فسياساتنا قائمة دائما ً على ردود الأفعال وتدفع الشعوب الأثمان بدماء أبنائها ومستقبلهم. إذن، هي تسميات مؤقتة تذهب بعد ذهاب الفكرة لإنشائها، فلماذا نشحن شعوبنا في صراعات وهمية وحروب، كما عاشها العراق ثمان سنوات ولازال يدفع الثمن غاليا ً لهذا السبب، هذه الأسماء مجرد أوهام لاتغني ولاتسمن من جوع؟ فماذا سنسمي الخليج بعد خمسين سنة عندما يكون ثمانون أو تسعون بالمئة من سكان هذا الخليج من الأجانب من جنسيات مختلفة؟ فبعد سنين، شئنا أم أبينا، وبفعل العولمة وطرق التواصل الحديثة سوف لانجد مكان في العالم ذو عرق أو مذهب أو دين واحد، وسيدخل الأجانب برلماناتنا ويملئون أسواقنا ومنتجعاتنا ولايصحو الفرد إلا وجاره هندي هندوسي أو بريطاني مسيحي أو صيني بوذي أو كونفوشيوسي؟ سيصوغون حتى سياساتنا الداخلية والخارجية كما يحدث في أوربا وأمريكا الآن. فأوربا تتوجه للتوحد بمختلف مكوناتها على أساس المصلحة وليس على أحلام رومانسية تلتهي بها الشعوب وتبذل بها الدماء والأموال. حيث أن تركيا ذات العرق والدين المختلف ستدخل في هذا الإتحاد خاصة أن نجحت فكرة نقل الغاز عبر أنابيب من شمال العراق عبر تركيا لتزويد أوربا بالغاز بدل خط الغاز القادم من روسيا عبر أوكرانيا، فالمسئلة مسئلة وقت فقط.

إن فكرة دعوة الفريق الإيراني هي لخلق حالة من التواصل بين الشعوب بعيدا ً عن تناحر الحكومات على التسميات. لابد من فصل المواقف السياسية عن التواصل بين الشعوب من خلال الثقافة والفن والرياضة والتجارة. فربط السياسة بالثقافة والفن والرياضة يؤدلجها ويجعل منها أداة لإذكاء الفتنة السياسية لخدمة أطراف تعيش على الأزمات. إن التواصل بين الشعوب رياضيا ً وفنيا ً وثقافيا ً وتجاريا ً سيضغط على الحكومات بأن تتخذ مواقف لينة من بعضها البعض لتخفف من الغليان الذي تعج به المنطقة والتي يمكن أن تؤدي لحرب على أساس ديني أو طائفي ويخفف من سياسة ردود الأفعال. إن إيران والعرب جيران منذ الآف السنين وسيبقون جيران شاء العرب والإيرانيون أم لم يشائوا، ولاتوجد طريقة للعيش بسلام سوى لغة الحوار والتواصل بين الشعوب على الأقل رياضيا ً.

http://www.elaphblog.com/imadrasan