|
يبدو الشرق الأوسط على صفيح ساخن، على وقع التجارب والمناورات الحربيّة، مع بدء مفاوضات الدول الست الكبرى مع إيران في جنيف اليوم الخميس حول ملفها النووي. مفاوضات يرجح الخبراء ومتتبعو هذه القضية ألا تؤدي إلى نتائج إيجابيّة، نظرًا لتشبث إيران بعدم الولوج في عمقه واعتبار أنه مسألة سياديّة يعود إليها وحدها القرار فيه. في حين تعرض في الكواليس على المجتمع الدولي مساهمتها الإيجابيّة، وربما المؤثرة في ملفات أخرى، مثل تسهيل المفاوضات مع إسرائيل وإراحة الأوضاع في كل من الأراضي الفلسطينية والعراق ولبنان.
بيروت: يتوقع الخبراء أن تكون الأشهر المتبقية من السنة حاسمة في الموضوع النووي الإيراني. ولا يعني ذلك حتمًا توجيه ضربة عسكريّة إلى قدرات طهران النووية، بل إنّ ما سيتقرر في النهاية هو الجدوى من الحوار مع ايران، وكذلك الجدوى من تشديد العقوبات عليها، وفي النهاية الجدوى من توجيه ضربة عسكرية إلى منشآتها النووية. ففي نهاية الأمر ثمة قرار سيُتّخذ، خصوصًا بعدما تحقق التقارب في وجهات النظر حول هذه القضية بين واشنطن وموسكو. تقارب عبّر عنه خطاب الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وكان متوقعًا ظهوره إلى العلن منذ فترة، وبالتحديد منذ زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لموسكو. لكنه ظهر بعد إعلان الرئيس اوباما منذ أيام عن تراجع أميركا عن نشر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، مما أوحى بوجود ترابط بين الملفين.
وسط هذا الجو تأتي التجارب الصاروخية الإيرانية، وكذلك المناورات البحرية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تحمل اسم quot;quot;كوبرا شجر العرعرquot;، وستجري بعد أيام في شرق البحر المتوسط من أجل اختبار مجموعة من المنظومات الدفاعية الصاروخية المشتركة. وقد وصفت هذه المناورات بأنها الأوسع والأضخم والأكثر تعقيدًا على الإطلاق بين البلدين منذ عام 2001. وستتحدّد من خلالها قدرة الآليات الدفاعية الإسرائيلية، خصوصًا لمنظومتي الصواريخ quot;أرو- حيتسquot; و quot;باتريوتquot;، والقدرة على التصدي للصواريخ الباليستية البعيدة المدى. وسيكون التدريب الأساسي بالمناورات على سيناريو هجوم صاروخي متزامن ومشترك من إيران وسورية وquot;حزب اللهquot; وquot;حماسquot; على إسرائيل.
أي إن الهدف من هذه المناورات المشتركة هو ترسيخ البنية التحتية اللازمة من أجل تمكين المنظومات الدفاعية الأميركية والإسرائيلية من العمل معًا، وذلك إذا ما قررت الولايات المتحدة نشر منظوماتها الدفاعية في إسرائيل في حال وقوع مواجهة مع إيران، تمامًا على غرار ما فعلت الولايات المتحدة خلال حرب الخليج الأولى.
وواضح إن هذه المناورات هي رسالة مضادة للتهديد النووي الإيراني الذي تعتبره إسرائيل خطرًا كيانيًا بالنسبة إليها، ولا سيما في ظل تقارير متلاحقة صادرة عن إسرائيل تتحدث عن احتمال اعتماد الخيار العسكري في مواجهة إيران، ما دفع بعض المراقبين والخبراء إلى وصف هذه المناورات بأنها بمثابة مقدمة لسيناريو حرب اقليمية جديدة ستنشب في المنطقة.
ويزداد اقتناع الخبراء والمتابعين في هذا الوقت بأن زيارة نتنياهو السرية لروسيا والتي كشفت أخيرًا، كانت مرتبطة بمجموعة من القضايا ذات الصلة بإيران، بما فيها احتمال بيع روسيا صواريخ متطورة مضادة للطائرات لطهران، وكذلك باحتمال إقدام إسرائيل خلال أشهر على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، إذا لم تتمكن الولايات المتحدة وأوروبا من الوصول إلى حل آخر.
ولا شك في أن النمو المطرد لنظم الدفاع الصاروخية الإسرائيلية يلقي الضوء على النهج العسكري لإسرائيل وإحساسها بالخطر الشديد، فمن خلال منظومات الدفاع الصاروخية تسعى الدولة العبرية إلى الحصول على نوع من الردع على غرار ما كان لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، وذلك عن طريق نشر رؤوس حربية نووية داخل غواصات وإبقاء المقاتلات الجوية على ارتفاعات كبيرة. ومع تحول القلق إلى التهديد الذي تمثله صواريخ إيران البعيدة المدى، تركز إسرائيل في برامجها المضادة على أسلحة ذات مدى أقل، استخدمها quot;حزب اللهquot; من جنوب لبنان وحركة quot;حماسquot; من غزة خلال الأعوام الماضية.
تحذير أوباما للأسد
ويلفت في السياق معلومات أوردها تقرير صحافي، نقلاً عن مصادر اميركية، وفيها إن الرئيس باراك اوباما بادر- قبل اطلاع رئيسي روسيا وفرنسا ورئيس حكومة بريطانيا في نيويورك على اخبار المفاعل النووي الايراني الجديد القريب من مدينة قم- الى إبلاغ الرئيس السوري بشار الاسد لن يعود في وضع القادر على ضبط إسرائيل وكبح جماح رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو اذا امتنعت إيران عن التعاون الجدي مع المجتمع الدولي في موضوع ملفها النووي. كما أبلغه ان ثمة تصميمًا واضحًا لدى المسؤولين في إسرائيل على استخدام الوسائل العسكرية لتدمير ما يمكن تدميره من المنشآت النووية الايرانية، بل من البنى التحتية العسكرية وغير العسكرية ايضًا. وستكون المسألة مسألة وقت إذا استمرت طهران في اعتماد أسلوب عدم التجاوب مع كل ما يعرض عليها من حلول في موضوع ملفها النووي.
وابلغ أوباما الأسد اخيرًا، حسب المعلومات نفسها، ان المسؤولين في إسرائيل يبدون استعدادا للهجوم على quot;حزب اللهquot; في لبنان اذا هب لنجدة ايران من خلال إطلاق آلاف الصواريخ التي يخزنها في لبنان.
وتضيف إن رسالة اوباما إلى لأسد، كانت من أكثر العوامل تأثيرًا التي دفعته إلى زيارة المملكة العربية السعودية في 23 من الشهر الماضي، لمناسبة افتتاح quot;جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنيةquot;. ففي النهاية لا يريد الأسد، على ما جاء في التقرير، أن يتحوّل إلى ضحية غير مقصودة اذا اندلع الصراع العسكري- في الربيع المقبل ربما- بين اسرائيل من جهة وايران وquot;حزب اللهquot; من جهة اخرى.
التعليقات