لو حاول أي مخرج إعادة تصوير مشهداً للمرة الـ 17 فهذا دليل على رداءة الممثلين وصعوبة المشهد، ونحن-كعرب ومسلمين- لا نتعلم من دروس التاريخ، أو من تجاربنا السابقة لذلك لا نتقدم، فممارسة النقد الذاتي هي أولى خطوات التقدم،الحيوان وحده هو الذي لا يأخذ الدرس،لأن ليس له دماغ معرفي يفكر به، فالفأر يري أخاه الفأر يدخل المصيدة ويتبعه دونما تفكير، أما الإنسان فقد منّ الله عليه بنعمة الدماغ المعرفي ليفكر به ويأخذ الدرس والعبر، والتاريخ يعلمنا، أن الأقليات هم حملة مشاعل التنوير في العالم، لا لأنهم أذكي من الأغلبية، ولكن لانهم يخافون على أنفسهم لأنهم أقلية، فيعملون عقولهم 100 % ، فحضارة القرن العشرين،الغير مسبوقة، من إختراع اليهود والمسيحيين، وهذا ليس تقليل من شأن المسلمين، ولكنه إقرار للواقع المرير،لأننا متواكلين لا متوكلين على الله ولم نأخذ بالأسباب،لماذا نجهد عقولنا في البحث والإختراع والغرب يقدم لنا ذلك ،فنحن نشترى التكنولوجيا ونستهلكها ولا نشارك في إنتاجها أو تطورها، مما أصابنا بعقدة النقص،وبدلاً من أن نشكر الغرب على ما نتمتع به من رفاهية ، نلعنهم ونكفرهم، وننعتهم بـ quot;أولاد القردة والخنازيرquot;.
كتبت مراراً وتكراراً أن من يحب مصر لا يظلم أقباطها،وأن من يريد خراب مصر وإشعال نيران الفتنة النائمة،التي قال عنها رسولنا الكريمquot;الفتنة نائمة لعن الله من أيقظهاquot;، يظلم أقباطها، ويحرمهم من حقوقهم الدينية والمدنية التي كفلتها لهم الشرائع السماوية والدنيوية.
علمت أن أعتداءات دير أبو فانا في مصر على إخوتنا الأقباط تتكرر للمرة الـ 17، وهذا والله كثير،أن يتكرر نفس المشهد،على نفس المسرح بنفس الممثلين للمرة الـ17: رهبان في ديرهم مسالمين آمنين، مسبحين لربهم عابدين، لماذا نعتدي عليهم ونكسر عظامهم ونروعهم . ماذا يطلبون؟؟!! العيش في أمن وأمان. ما هي أغلى أمانيهم؟؟!! أن يتعاملوا كمواطنين لا كرعايا،و أن يتساووا مع إخوتهم في الله الوطن المسلمين في الحقوق والواجبات، أن يكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا. لماذا يتساوون معنا في دفع الضرائب والدفاع عن الوطن، ولا يتساوون معنا في شغل الوظائف والمناصب الوزارية العليا ودور العبادة؟؟ لماذا نسمح لأنفسنا ببناء مساجد في أي مكان وفي أي زمان بدون تراخيص؟ لأن كل الأراضي،ليس في مصر فقط، بل في العالم أجمع، هي مساجد تحت التأسيس، ونحرمهم من أقل حقوقهم الدينية وهو بناء أو توسيع أو إصلاح دورة مياة في كنيسة إلا بقرار جمهوري سابقاً،وبقرار المحافظ حالياً؟ وإذا حصلوا على التراخيص المطلوبة رغم صعوبتها وعرقلة المسؤولين لها-التي نحن كمسلمون لسنا بحاجة لها أصلاً لبناء المساجد- تعتدي عليهم الأهالي بالأسلحة البيضاء والزرقاء والحمراء وجميع ألوان الطيف... وعندما يستنجدون بالشرطة،التي من المفروض أن تكون في خدمة الشعب،تأتي متأخرة كالعادة، أو متواطئة مع المسلمين، وتكون مالطه قد خربت، وتم إنجاز غزوة جديدة بين التهليل والتكبير لهذا النصر المبين،غزوة تضاف إلى تاريخ المتأسلمين الأسود لخراب مصر وظلم أبنائها، ومن يقول غير ذلك فهو كذاب أشر.
قلت أن الفرق بين الإنسان والحيوان أن الإنسان يتعلم من أخطاءه، والحيوان يكرر نفس الأخطاء بنفس الأسلوب، ونحن مازلنا في مرحلة الحيوانية حيث نكرر أخطاء الأعتداءات المتواصلة على إخوتنا في الله والوطن الأقباط ،دونما إدراك لعواقب ذلك،أو تنفيذاً لمخطط المتأسلمين لخراب مصر وإحراقها بنيران الفتنة الطائفية البغيضة،لا قدر الله لها ذلك ولا كان، إننا بإرتكابنا هذه الجرائم نخطأ مرتين: مرة في حق إخوتنا في الله والوطن الأقباط، لأننا نحاربهم في بلدهم ونمنعهم من ممارسة شعائر دينهم، ومرة أخرى في حق أمنا الحبيبة مصر، التي ستشتعل ناراً وستسيل دماء أبناءها أنهاراً،ولا ننسى أننا بذلك نخرب أقتصادها المنهار أصلاً، بتصرفتنا الغير مسئولة هذه، فلقد أخطأ عبد الناصر بطرد اليهود من مصر، كما ذكر لي صديقي مؤرخ مصر الحديثة د. رفعت السعيد، بأن أعطي اليهود المصريين و رأس المال اليهودي هدية لإسرائيل لتحارب به مصر وتنتصر عليها،لم نتعلم الدرس وها نحن نكرر نفس الخطأ ونخيف إخوتنا في الله والوطن الأقباط ونعتدي على محالهم وتجارتهم ومزارعهم بل وأديرتهم، حتى يهربوا من مصر ويذهبوا إلى أوربا وأمريكا بأموالهم،وهو ما يحاول المتأسلمون فعله مع رجل الأعمال الناجح، الملياردير المصري القبطي نجيب ساويرس ليهرب بماله من مصر بدلاً من أن نحاول جذب رؤوس الأموال الأجنبية للإستثمار في مصر، وقد بدأ فعلاً بعض الأقباط في إخراج راسمايله إلى أوربا خوفاً من وصول الإخوان المتأسلمين بقيادة هتلر مصر مهدي عاكف إلى سدة الحكم، وبعدها سيتحول الأقباط إلى أهل ذمة وستفرض عليهم الجزية ليدفعوها لنا عن يد وهم صاغرون.
إنها لمهزلة مضحكة مبكية أن نتكلم عن الجزية وأهل الذمة ونحن في أوائل الألفية الثالثة،ونحن في عصر حقوق الإنسان والأقليات،ومساواة المرأة بالرجل والمسلم بغير المسلم، إن العالم يضحك علينا عندما يري ويسمع تصريحات متأسلمينا و أميرهم صاحب مقولة quot;طز في مصر وأهل مصرquot;، فنحن أكثر من أهل الكهف غفلة. على الأقل أن أهل الكهف قد أنامهم الله حيناً من الدهر فانقطعوا عن العالم وتطوره،واستيقظوا فوجدوا أن الفجوة كبيرة بينهم وبين العالم، أما نحن فما عذرنا، فنحن نيام ونحن متيقظون، فلو كنا منعزلين عن العالم لإلتمس لنا العالم العذر، ولكن العالم أصبح بفضل ثورة المعلومات قرية كونية صغيرة، نتمتع بآخر تكنولوجيا إخترعها لنا الغربquot;الكافرquot; من أطباق لاقطة، إلى تليفونات محمولة، إلى كل الأدوات الحديثة التي تسهل لنا الحياة، وبرغم ذلك ننعتهم بـquot;الكفرquot;. وأسأل المتأسلمين إذا كانت حضارتهم quot;كافرةquot; فلماذا تتمتعون بها ولا تتركونها؟ لماذا لا يستغني أحدكم عن جواله،أو ثلاجته، أو يسافر بالجمل بدلاً من الطائرة، ولماذا عندما يمرض لا يثق في طب بلاده ولا يتداوي ببول الإبل أو بالحجامة، ويذهب إلى مشافي الكفرة وأطبائهم ودوائهم الكافر ليتداوي به؟؟!! فوالله لو تركوا كل ما اخترعه الغرب وأمريكا، لخلعوا كل شيء جميل في حياتهم بما في ذلك سراويلهم ...
لقد آن الآوان لنقف وقفة صدق مع النفس،وأن نتحلى بالشجاعة الأدبية والعلمية ولو لمرة واحدة، وأن نمارس نقدنا الذاتي ونعتذر للغرب عما فعلنا به، عاقدين العزم على الإنتفاع بعلمه ومحاولة تقليده، لأن العلم ليس له دين أو جنس أو لون، العلم ميراث للبشرية جمعاء، كنا رواده عندما كان لنا السبق، وعلينا أن نتتلمذ على أيديهم لمحاولة التقرب منهم والوصول إليهم ، فالشخصية السوية المتزنة عقلياً ونفسياً هي التي تتعلم من الغير دونما عقدة نقص، وبما إن نرجسيتنا الدينية الفردية والجمعية متضخمة إلى درجة المرض، بل ومفتوحة على الجنون، وبلغ بنا هوسنا الديني أننا إقتنعنا بأننا quot;خير أمة أخرجت للناسquot; هذا التسمر في فهم هذه الآية يقف عائقاً معرفياً دون تقدمنا، فنحن الآن آخر أمة ،وفي ذيل كل الأمم ،علينا الإعتراف بذلك شئنا أم أبينا.
لا زال هناك بصيص من أمل، لأنه quot;لا يأس مع الحياة ،ولا حياة مع اليأسquot; كما قال طه حسين، والأمل معقود في صياغة عقد إجتماعي جديد تكون أساسه المواطنة والمساواة والعدل والإخاء، حيث لا فرق بين مسلم وقبطي ويهودي إلا بالعمل الصالح، هذا الميثاق الإنساني الجديد هو طوق النجاة لمصر وللمصريين، لتجنيبها جرثومة التأسلم التي تمكنت من كل شعاب مصر، وتجنيبها نيران الفتنة الطائفية التي تطل علينا من حين لآخر،،ساعتها لن يكون هناك أي إعتداءات على أرواح،أو أملاك أو أديرة الأقباط ، من يحب مصر لا يسعى في خرابها، بل يعمل على إصلاح ذات البين بين الإخوة الأقباط و المسلمين، حيث الدين لله والوطن للجميع، ساعتها سنجد المسلم يساعد في بناء الكنائس، بل ويجمع التبرعات لها في جوامعنا، لأنها بيت من بيوت الله، وسيمارس فيه إخوة لنا في الله والوطن شعائرهم، وبالمثل سنجد إخوتنا في الله والوطن الأقباط يساعدوننا في بناء مساجدنا، اليد في اليد والكتف في الكتف، لأن إلاهنا واحد ووطننا واحد ومصيرنا واحد ، فمدوا أيديكم معي مسلمين وأقباط لإيقاف مخطط خراب مصر، لنقول للمتأسلمين ولهتلر مصر quot;موتوا بغيظكمquot; نحن إخوة في الله والوطن والمصير، وسنموت معاً وستبقى مصر حرة بأبنائها المخلصين الأحرار.
[email protected]