1-
كانت الأيام التي حجب فيها quot;البروكسيquot; الذي أمرّ من خلاله على quot;إيلافquot; شاقّة، لأنني أدمنت هذه الصحيفة، مع أنني لم أكن أنتظر نشر مقالتي، أو أي مادةٍ صحافية لي هنا في فترة حجب البروكسي، وكنت منذ زمنٍ عانيت الأمرّين من أجل التحايل على مدن الحجب والدخول إلى حديقتي quot;إيلافquot; فقد سئمت من المواقع الأخرى، صديق لي أعطاني بعض الروابط لصحفٍ حاولت تقليد إيلاف، كان في الماسنجر معي quot;فهد خذ روابط يمكن تغنيكquot; لكنني لم أتحمس لتلك المواقع التي لم تكن سوى نسخة مشوهة، تشبه النطف غير المخلّقة، وهي تحاكي عن جهل صحيفة إيلاف، لكن الذي أنقذني من هذا المأزق، صديق آخر يعمل في المجال الهندسي، وأتحفني ببروكسي quot;كاسرquot; يكسر جدران الحجْب المتهاوية، لكن ما علاقة المهندس، بالبروكسي؟

2-
صاحبنا يستخدم البروكسي من أجل الدخول إلى مواقع quot;هندسيةquot;! ذلك أن بعض المواقع الهندسية محجوبة، لأسباب تتعلق باستراتيجية quot;الحجبquot; (وفق الكلمات) المستخدمة من قبل مدينة الحجب في السعودية، فهو مثلي، حينما لا يجد البروكسي يتعطّل ويصاب بالشلل، وكل الذين أعرفهم هنا في إيلاف، لا يتعاملون مع جدران الحجب، الصديق عبد القادر الجنابي يفتح إيلاف من quot;باريسquot; والبعض الآخر في بيروت، وألمانيا، ولندن، والزملاء في الرياض ربما هم مثلي ما إن يعرفوا بروكسياً كاسراً حتى تفطن له مدن الحجب، فيتم إقفاله أوتعطيل مفعوله، وكأننا في العصر الحجري، عصر المعول والفأس والكهف والبغل، كأننا لا نعيش عصر فوران التقنية، وضمور كل مراكز الرقابة، وتهاوي السلطات الاجتماعية والرقابية والفكرية.


ما أقضّ مضجعي أن بعض مواقع التكفير والتفسيق، والتدبيع والتشهير، مفتوحة، أعني بها مواقع بثّ الخرافات والأساطير، مواقع باعة الحكم الرخيصة من مثل: quot;من جدّ وجد، ومن زرع حصدquot; و quot;يوم لك ويوم عليكquot; و quot;احذر من عدوك مرة ومن صديقك ألف مرةquot; و quot;إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئابquot;..الخ. ومواقع المعلّقات الشعرية، ومواقع شرح المغازي والمعارك، من غزوة بلاط الشهداء حتى غزوة اليمامة شمال الرياض، وغزوات أخرى مثل غزوة معرض الكتاب، وغزوة quot;ذات الكلاسينquot; وهو اسم أطلقه أحد الكتاب على صراع وزير العمل لتوظيف المرأة في بيع الملابس الداخلية، مع الدعاة الذين يؤيدون بيع الرجال للنساء quot;الملابس الداخليةquot;!

3-
إيلاف أقوى من الحجب، وتلذذي وأنا أرى زرقة إيلاف وهي تتفتح أمامي بعد أن أهزم صفحة الحجب الخضراء بمعول البروكسي لا تعدلها لذّة، لأنني أشعر بأنني لحظة فتح إيلاف أعاشر الحرية، وأختفي في سحرها الخلاب، لا شيء يعدل التنزّه في حديقة إيلاف،فهي المنبر الحر الوحيد في العالم العربي. أيها السادة منذ سنة كاملة ونصف السنة وأنا أكتب فيها لم تمنع لي مقالة واحدة ولم يحذف من مقالاتي أي حرف، بينما حينما عملت صحافياً في صحفنا الورقية التي تُستخدم الآن للفّ البقدونس والطماطم والفلافل كان تقريري أو مقالي ينزل ناقصاً، هذا إن لم يُسرق كما فعل أحدهم من قبل مع تقرير لي قام المحرر ndash;ببساطة-بشطب اسمي وخلع عليه اسمه هو!! ياللفضيحة والعار! ولم أندم على تقديم استقالتي مع حاجتي إلى تلك الوظيفة، ولكن أفكارنا لا تباع ولا تشترى، تلك هي إيلاف.
4
إيلاف النموذج لسحر التقنية ؛ فهي جريدة من نمطٍ آخر، إنها تجسّد النص المنظّم في الخطوط والأشكال، وتجسّد الحرفية الجديدة في العمل الصحافي، لقد تجاوزت النقاش العربي القديم عن تفضيل الصحافة اللبنانية أم المصرية؟ لتصنع الطريقة الصحافية الإيلافية، ومن شاهد توقّد رئيس تحريرها عثمان العمير الذي لا يهدأ ولا يفتر وهو يجدد في هذه الصرعة الإعلامية، ومن شاهد لقاءه في قناة الحرة الأخير، يعلم أن إيلاف لم تتحول بعد إلى quot;تاريخquot; إنها لا تزال صرعة تتجدد ، إيلاف تولد من جديد وتضيف موضتها كل يوم، إنها درس تاريخي للصحافة العربية! وللصحافيين العرب، الذين يفكّرون وهم يكتبون أي حرف -للصحف الورقية- بالمشرط الحاد، والقلم الأحمر. إن إيلاف سبقت عصر الصحافة العربية ولكن كيف؟
لم تعد تتعامل إيلاف مع quot;قوانين فسوحات وزارات الإعلام العربيةquot; وإنما تتعامل مع quot;أذواقquot; فهي تلبّي احتياجات المتابع، كما أنها لا تتعامل مع القارئ على أنه من quot;العامّةquot; بل هو عضو مشارك فيها، وباستطاعة أي قارئ أن يصنع مدونته فيها من الآن فصاعداً، فعصر تقسيم الناس إلى جمهور ونخبة ولّى، ولم يعد المثقف هو ذلك القابع في مكتبه ينظّر ويجترّ الحديث إلى ما لا نهاية، بل هي كسّرت هذا الظلام الدامس التي لا تزال الصحف الورقية تغرق داخله.

5-
إيلاف تعتمد على الاختصار و quot;الكبْسلةquot; في المعلومة، فالتقارير الهامة التي تكتب تُكتب بكلمات لا تتجاوز الـ700 وتتلذذ بقراءتها بينما صحفنا تكتب تقارير كاملة الدسم يصل التقرير أحياناً إلى صفحة ورقية كاملة أي 3000 كلمة، في موضوع لا يتجاوز الخادمات المنزلية أو تحقيق عن البلاي ستيشن، أو عن تأخر الطلاب عن الطابور الصباحي، تنشر تلك التفاهات بعدد كلمات يفوق تقرير quot;ديتليف ميليسquot; كل ذلك الإسهاب من قبل الصحف الورقية لا ينتشر وربما لم يطالعه أحد حتى كاتب التقرير نفسه ndash;ربما-!
ها هي ndash;مثلاً-تقارير الزميل سلطان القحطاني الرائعة مليئة بالمعلومات والأخبار الملفتة للنظر، والدقيقة، وبالمصادر المدهشة، لكنها تأتي بلغة سلسة، وجديدة، ومختصرة. لقد انتهت عبارات التقارير القديمة التي تختم بـquot;الجدير بالذكر، يذكر أنّquot; الخ. المهم أن نخطف لبّ القارئ ونجعله يقرأ التقرير إلى آخر حرف، بعيداً عن أي نموذج قديم أو كوبون جاهز ، هذا هو سرّ تميّز إيلاف.
نحن معذورون حينما نتغزل بإيلاف، وعرفتُ قيمتها حينما حجب quot;البروكسيquot; الذي كان نعم الصديق على مدى 3 أشهر، لكنه حُجب للأسف، ولم ينقذني إلا بروكسي صاحبي المهندس، الذي أسعفني فبينما تفتح المواقع الخرافية والدينية الضارة بنقرة واحدة وبلا جدر حجب، نحتاج لدخول صحيفة إيلاف الفكرية والسياسية والفنية والصحية والرياضية إلى بروكسي كاسر، يجبّ جدار الحجب الأخضر، إنه بروكسي القرن 21 الذي هزم جدران العصور الحجرية.

فهد الشقيران
كاتب سعودي
[email protected]