فشلت حكومة الثورة الإسلامية الإيرانية في استغلال الثروات النفطية الهائلة لتنويع و تطوير الاقتصاد، على مدى أكثر من عقدين ونصف من الزمن. إذ تحول النفط إلى لعنة حقيقية -عوض أن يكون نعمة-، بدليل التخلف الذي تشكو منه الدولة في جميع المناحي الاقتصادية و الاجتماعية، مقارنة بدول إسلامية أخرى لا تمتلك نفس الثروات، مثل ماليزيا.

اعتمدت إيران الثورة على الصناعة الموجهة للسوق المحلية فيما يسمى quot;سياسة التصنيع لاستبدال الوارداتquot;، و هي السياسة المعاكسة لسياسة quot;تطوير الصادراتquot; التي أثبتت نجاحها لدى النمور الاسياوية، و التي تتبعها حاليا كل من الصين و الهند بالنتائج الباهرة التي نعرف.

تقوم هذه السياسة على سيطرة بيروقراطية الدولة على القطاعات الإستراتيجية مثل البنوك و المؤسسات الكبرى للطاقة و الصناعة، مع تهميش متعمد للقطاع الخاص، إذ جاءت إيران في المرتبة 108 في مؤشر البنك الدولي لسهولة مزاولة الأعمال، مقارنة بالمرتبة 21 لماليزيا. كما تقوم السياسة الاقتصادية في إيران على حماية مفرطة للمؤسسات المنتجة من المنافسة الأجنبية، مما يؤدي إلى صناعات غير مجدية و غير تنافسية، تنعكس سلبا على المستهلك. و في الحالة الإيرانية، يستحوذ الملالي و حرس الثورة على أنشطة اقتصادية متعددة بما فيها نصف واردات الدولة من المواد الغذائية.

أدى هذا إلى اقتصاد ريعي يعتمد على النفط، حيث لا تتجاوز نسبة المواد المصنعة 8% من مجمل الصادرات الإيرانية، مقابل 80% في ماليزيا. و كانت المحصلة النهائية نموا اقتصاديا ضعيفا لم يتجاوز معدله السنوي 3،6% خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، و هي quot;نسبة نمو هندوسيةquot; لا تقارن بنسبة 7% التي حققتها ماليزيا خلال نفس الفترة. و كانت النتيجة أن أنهت إيران الألفية الماضية بمعدل دخل الفرد، مقدرا بالقدرة الشرائية للدولار ( أي مضاعفة الدخل في الدولة التي تكون فيها الأسعار نصف مستواها في أمريكا، على سبيل المثال ) لا يتجاوز 5900 دولار، مقابل 8360 دولار بماليزيا.

و مما زاد الطين بلة في السنوات الأخيرة، تأكيد احمدي نجاد على تدعيم هذه السياسة برفعه شعار quot;الاكتفاء الذاتيquot; المضلل، و الذي يعني في الحقيقة الاستمرار في توجيه ثروات البلاد الوجهة التي لا تساعد على دمج الاقتصاد الإيراني في الاقتصاد العالمي. و تأكدت هذه القطيعة بتجميد الرئيس نجاد المباحثات التي كانت جارية من قبل لعضوية إيران للمنظمة العالمية للتجارة.

في الحملة الانتخابية خلال 2005، وعد احمدي نجاد بــ quot;وضع أموال النفط على مائدة عشاء كل عائلة إيرانيةquot;. لكن و بالرغم من الزيادة الكبيرة في عائدات النفط التي فاقت 50 مليار دولار سنويا، بقي النمو الاقتصادي منخفضا، حوالي 5،7% في 2006 و من المتوقع ألا يتجاوز 5،8% هذه السنة، و هي نسب اقل مما تنجزه عديد الدول المستوردة للنفط، مثل الهند و الصين.

أدت السياسة إلى هروب الاستثمار الأجنبي، مما افشل كل المساعي الهادفة إلى بناء مصافي النفط. و وجدت البلاد نفسها في حاجة لاستيراد ما يزيد عن 40% من احتياجاتها النفطية بأسعار مرتفعة، مقابل تصدير النفط الخام بأسعار اقل!!! و تزامن هذا مع quot;عمليات هروب واسعة لرؤوس الأموال الإيرانية إلى بنوك دبي و ماليزيا و النمسا، قدرها كبير القضاة محمود شهرودي، بما يزيد عن 300 مليار دولار، منذ اعتلاء احمدي نجاد كرسي الرئاسة quot; ( انظر مقال أمير طاهري، بعنوان الأزمة الاقتصادية الإيرانية quot; الصادر بعدد 10 مايو 2007 من صحيفة quot;وول ستريتquot; ).

هدرت السياسات الخاطئة الثروات النفطية الهائلة للبلاد، إذ لا يزيد معدل دخل الفرد مقوما بالقدرة الشرائية للدولار 7،5 آلاف دولار في ايران مقارنة بأكثر من 10 آلاف دولار في ماليزيا، حسب تقرير التنمية البشرية لسنة 2006. كما جاءت إيران في المرتبة 96 حسب دليل التنمية البشرية، خلف تونس ( المرتبة 87)، الأردن ( 86)، السعودية ( 76 ) و ماليزيا في المرتبة 61

و يعكس هذا الترتيب خللا كبيرا في مجال الرعاية الصحية، إذ لا يتجاوز عدد الأطباء لكل 100 ألف ساكن حوالي 45 طبيبا في إيران، مقابل 70 طبيبا في ماليزيا و 134 طبيبا في تونس. كما عمت البطالة التي تقارب نسبتها 30%، خصوصا في صفوف الشباب. و زاد الفقر، كما أكد على ذلك تقرير إيلاف بتاريخ 3 يوليو الماضي : quot;کان يعيش في الثمانينيات من القرن الماضي 50 في المائة من الإيرانيين تحت خط الفقر، إذ تحولت هذه النسبة في التسعينات إلى 60 في المائة، واستمرت بالارتفاع حتى بلغ عدد الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر 70- 80 في المائة في الأعوام الأخيرة.quot;
لعل الدرس الأهم من التجربة الإيرانية للدول العربية النفطية أولوية تنويع الاقتصاد و ضرورة دمجه في الاقتصاد العالمي، بإنشاء مؤسسات تنافسية. و لن يحصل هذا إلا بإلغاء السياسات الحمائية التي مازالت متبعة في جل الدول العربية.

محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه